
مسجد الغفران
تقرير مختصر عن زيارة الدكتور تواتي بن مبارك بن التواتي إلى مدينة غرداية
يوم الجمعة 26 ربيع الأول 1431 هـ الموافق لـ 12 مارس 2010 م
بناء على دعوة كريمة من مجلس الأعيان المزابيين الإباضية لبلدة غرداية قام الدكتور تواتي بن مبارك بن التواتي بزيارة مدينة غرداية يوم الجمعة 26 ربيع الأول 1431 هـ الموافق لـ 12 مارس 2010 م، وقد نشط الدكتور ندوة علمية في المساء رفقة الدكتور مصطفى بن صالح باجو والأستاذ موسى بن إبراهيم كبش بمكتبة الغفران بحضور جمع من الأئمة والأساتذة والأعيان، ثم ندوة ثانية بين المغرب والعشاء في مسجد الغفران حضرها إضافة إلى الأئمة والأعيان بعض النواب والمسؤولين المحليين وكذلك جمع غفير من أهل المنطقة من الإباضية والمالكية من بلدية غرداية والبلديات المجاورة.
وقد عرض فضيلة الدكتور الكتاب الذي ألفه وصدر مؤخرا وهو كتاب قيم في الفقه المقارن أجرى فيه دراسة تقابلية بين المذهب الإباضي والمالكي في الأصول والفروع، استخلص فيه أن المذهبين المتجاورين في الجزائر ينهلان من أصل واحد وهو الكتاب والسنة، أما الاختلافات الموجودة بين المذهبين فهي اختلافات في الفروع توجد حتى بين أتباع المذهب الواحد، وأثبت أنّ نقاط الاختلاف قليلة جدًّا، وأنّ نقاط الوفاق كثيرة وكثيرة جدًّا. وقال أن الدّافع الأوّل الذي دفعه إلى تأليف الكاتب هو أنه يريد أن يؤدّي رسالة، رسالة جمع هذه الأمّة، جمعها على التّقوى، وعلى المحبّة والمودّة، وأنّ الاختلاف قد وقع حتّى في وقت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)،
وفند الدكتور ما ورد في جريدة الشروق وأكد أن هذه الندوة العلمية ليست مناظرة فكرية بين طرفين يريد كل منهما أن يقنع الآخر بل هي ندوة فقهية يراد منها إظهار نقاط الاتفاق الكثيرة الموجودة بين المذاهب الإسلامية وأن الاختلاف الفقهي موجود بين كل المذاهب.
كما كانت للدكتور زيارة إلى مسجد الإصلاح بالتوزوز ودار القرءان ببلغنم.
وقد تم تكريم الدكتور بهذه المناسبة وقدمت له هدايا وكتب تقديرا له على مجهوداته في التقريب بين المذهبين الإباضي والمالكي وعلى سعيه الدؤوب لنشر فكر التسامح والأخوة في الله بين أفراد المجتمع الجزائري.
وقد استحسن الجميع هذه المبادرة الحسنة وشكر القائمين عليها والتي لا شك أنها قد تركت انطباعا جيدا في النفوس لدى الرأي العام والخاص.
وفيما يلي النص المكتوب للندوة العلمية.
التاريخ: الجمعة، 26 ربيع الأول 1431هـ / 12 مارس 2010م.
عنوان الندوة: مقارنة بين المذهبين الإباضي والمالكي في الأصول والفروع.
الأستاذان المشاركان: الدكتور التواتي بن مبارك ابن التواتي، والدكتور مصطفى بن صالح باجو.
افتتح اللقاء بكلمة ترحيبية، من طرف رئيس قسم الدّعوة والإرشاد بمسجد الغفران، الأستاذ موسى بن إبراهيم كبش، وجاء فها ما يلي:
أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم، بسم الله الرحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، سيّدنا وحبيبنا وقدوتنا، محمد بن عبد الله، عليه أزكى الصّلاة والتّسليم، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدّين.
إخوة الإيمان، عمّار مسجد الرّحمن: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، في يومنا هذا المبارك، يوم الجمعة، السادس والعشرين من شهر ربيع الأول من السنة الواحدة والثلاثين بعد الأربعمائة والألف لهجرة الحبيب المصطفى، الموافق للثاني عشر من شهر مارس من السنة العاشرة بعد الألفية الثانية من ميلاد المسيح عليه السلام، وفي مسجد الغفران سيكون لنا لقاء مبارك طّيّب، ندوة فقهية علمية مباركة، بحضور هذه الوجوه النّيّرة الكريمة، نرحب بجميع الوافدين إلينا من ربوع هذا الوطن الكريم، بداية من المسؤولين الّذين وفدوا إلينا، قد نخصّ بالذّكر ترحيبًا بالدّكتور أبو بكر صالح عضو مجلس الأمّة، وكذلك السّيّد الكريم الطاهر خليل مدير التربية بولاية غرداية، ونرحّب كذلك بالسّيّد رئيس المجلس الشعبي البلدي لغرداية السّيّد هرويني محمد، ثمّ بجميع الأعيان والأئمّة الوافدين إلينا من جميع مساجد غرداية، من الإخوة المالكية، والإباضية، ثمّ بكلّ الحضور الكريم .
يقول سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )[سورة الحجرات: 13]، تجسيدًا لهذه الآية الكريمة، وتحقيقًا لمبدإ الأخوّة بين المسلمين، فلقاؤنا اليوم لقاء مبارك بحضور شيخنا الكريم، وهذا الشيخ الوقور، وهو شابّ الشيوخ، وشيخ الشباب، ألا وهو التّواتي بن مبارك التّواتي، وإلى جانبه الدّكتور مصطفى بن صالح باجو، ولقاء اليوم مبارك لهذا الإنتاج الفكري الكريم، وهو عنوان كتاب سيكون إن شاء الله عنوان النّدوة كذلك، وعنوان الكتاب الّذي صدر مؤخّرًا لأستاذنا الكريم، هو كتاب الفقه المقارن: " الفقه المالكي والفقه الإباضي، دراسة تقابلية بين المذهبين من حيث الأصول والفروع" في جزأين، ولا بأس أيها الإخوة ـ ودون إطالةـ يمكن أم أعرّف بالدّكتورين، ثمّ أترك المجال لتوضح كثير من النّقاط الّتي نودّ جميعًا أن نستشفّها، وأن نفهمها، من خلال هذه النّدوة.
فالدّكتور الشيخ: التواتي بن مبارك ابن التّواتي، من مواليد 1943م بالأغواط، ينتمي إلى عائلة عريقة محافظة من أتباع الزاوية الرحمانية الّتي حظيت بالسلطة الرّوحية والأدبية، ونالت الاحترام والتّقدير والمكانة في نفوس أهالي الأغواط وما جاورها، حفظ القرآن في نفس الزّاوية، على يد مدرسيها ومشايخها، ثمّ انتسب إلى المدرسة الأهلية الفرنسية، فيها أخذ مبادئ اللغة الفرنسية وتدرّج في مستوياتها، التحق بصفوف المجاهدين إبّان الثورة التحريرية، ملبّيًا لنداء الوطن، تاركًا مقاعد الدّراسة بالولاية السّادسة، وذلك منذ سنة 1960م إلى الاستقلال، تتلمذ في صفوف مدرسة الشبيبة التّابعة لجمعية العلماء المسلمين، كان شغوفا بالعلم ، ممّا دفعه إلى الاستزادة منه، فكان ـ كما أسلفت ـ شابّ الشيوخ، وشيخ الشّباب، بحيث نال درجة اللسانس في الحقوق والآداب من جامعة الجزائر بعد الاستقلال، تدرّج في أطوار التّعليم من الابتدائي إلى الجامعي ما يقرب من ستٍّ وثلاثين سنة، قضى منها حوالي عشرين سنة في الجامعة مدرّسًا ومشرفًا على عدّة رسائل جامعية، وذلك بجامعة عمّار الثليجي بالأغواط، تقاعد عن التّدريس، ومع ذلك زاول التدريس فيها بعد تقاعده، سنة 1998م، وفي سنة 2000م حصل على شهادة الماجستير حول بحث في النحو وأصوله، عنوانه: "الأخفش الأوسط وآراؤه النّحوية" وفي سنة 2004م نال شهادة الدكتوراه في القراءات، عنوانها: " القراءات وآثارها في النّحو العربي، والفقه الإسلامي" وله إنتاج فكريّ غزير وموسوعيّ في الجانبين؛ النحويّ واللغويّ، وكذلك الجانب الفقهي، فله أكثر من خمسة عشر عنوانًا، منها ثمانية مطبوعة.
ولا بأس أن نعرّج الآن إلى الدّكتور مصطفى بن صالح باجو، هو من مواليد 18 أوت 1964م بغرداية، تتلمذ وتخرّج في مدرسة ومعهد الحياة بالقراراة، سنة 1983م، وكان حافظًا ومستظهرًا للقرآن، منذ سنة 1977م، ثمّ التحق بجامعة المدينة المنوّرة سنة 1983م، ثمّ في سنة 1988م حاز على شهادة الليسانس في العلوم الإسلامية، أصول الفقه، ثم الماجستير سنة 1993م، ثمّ الدكتوراه سنة 1999م، وهو أستاذ بالجامعة منذ سنة 1993م، ومشرف على العديد من الرّسائل الجامعية ماجستير ودكتوراه، وهو أستاذ إلى يومنا هذا، وكذلك له نتاج فكري، وساهم في إنتاجات فكرية منها: معجم الأعلام الإباضية، ومعجم مصطلحات الفقه الإباضي، ومن مؤلّفاته، منهج الاجتهاد عند الإباضية، وأبو يعقوب الورجلاني أصوليّا.
إذن فهذان الدّكتوران، لنا معهما هذا اللقاء المبارك ـ إن شاء الله ـ حول هذا الموضوع، الّذي لفت انتباه الكثيرين، فما هي الجوامع الّتي تجمع فقهيًا وأصوليًا بين هذين المذهبين المتجاورين؟ وهما المذهب المالكي والمذهب الإباضي..، فأترك للأستاذ الدّكتور الكلمة للحوار والمناقشة.
د. مصطفى بن صالح باجو:
بسم الله الرحمن الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين، ونصلّي ونسلّم على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الحضور الكرام، من مختلف المسؤوليات والمستويات، سلام الله عليكم جميعًا، ورحمة منه وبركات.
سعداء جدّا أن يجمعنا هذا الصّعيد، في هذا البيت العامر من بيوت الله سبحانه وتعالى، وقلوبنا طافحة بالبشر، ووجوهنا مشرئبّة إلى ما يجمع الكلمة ويوحّد الصّف، ونكون به كما أمرنا الله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ)[آل عمران: 103]. (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)[الأنبياء: 92]. السبب الّذي يسّره الله تعالى ليكون هذا اللقاء، هو هذا النتاج العلمي المتميّز الّذي نفحنا به شيخنا وأستاذنا، الدكتور التواتي ابن التواتي، في هذا الكتاب الّذي ذكره المقدّم، أردت بين يدي الموضوع، أن ألج بتوطئة حول أهمّية هذا الموضوع وبيان أو التأكيد على حقيقة لا تخفى على مسلم يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا رسول الله، وهي أنّ هذا الدّين آخر الدّيانات السماوية، ختم الله تعالى به الرّسالات، واختاره دينًا للبشرية كلّها، وحقّق لها به سعادة في الدّارين جميعًا، وحوى نظامًا تشريعيًا امتاز بصفات ثلاث، هي أنّه أكمل، وأشمل، وأعدل منظومة تشريعية عرفتها البشرية، هذا النّظام الشّامل، تجلّى في مجال الفقه وأصوله، والفقه بيان لأحكام الإنسان في علاقته بربه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بأخيه الإنسان، في مختلف الدّوائر المنداحة، من الحياة الخاصّة إلى الدّائرة البشرية الشّاملة.
الفقه الإسلامي أوسع ما كتب فيه علماء الإسلام، من حيث الكمّ، بل يمكن أن نقول إن حضارتنا حضارة فقه قامت على تبيُّن معالم النّصّ المقدّس؛ الوحي الّذي جاء على لسان سيّدنا محمد (صلّى الله عليه وسلّم) في القرآن والسنّة، واجتهد علماء الإسلام أن يبيّنوا هذه الأحكام ويؤصّلوها.
وكانت المدارس الفقهية، لونًا من ألوان الثّراء والتّميّز، الّذي عرفت به هذه الشّريعة، وليس الاختلاف بين الآراء بدعة، أو وليد هذا العصر، بل كان منشؤه يوم كان الصّحابة يدرجون ويتعلّمون ويأخذون الدّين على يدي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، يمكن أن تكون البداية أو نشير إلى البداية في واقعة بني قريظة، بعد غزوة الأحزاب، عندما أعلن النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) في الصحابة قائلا: (ألا لا يصلّينّ أحد منكم العصر إلاّ في بني قريظة)، فاختلف الصّحابة في تطبيق الحكم، منهم من صلّى في الطّريق، ومنهم من صلّى بعد خروج الوقت عندما وصل إلى بني قريظة، وكلّ قد استهدف معنًا فهمه من النّصّ، الفريق الأول: فهم حرفية النّصّ أن يصلّي في بني قريظة، والثّاني فهم غاية النّصّ، وهو الإسراع في المسير، وقد حقّق الهدف عندما بلغ الخبر النّبيّ أقرّ الجميع، ولم يخطّئ أحدًا.
من هنا نشأ الخلاف بين الصّحابة، ثمّ كانت دائرته تتّسع، إلى أن أثمر هذه الثّروة الفكرية الفقهية الغنية الّتي نفخر بها أمام العالم كلّه.
هذه المذاهب كانت إذن، وجهًا وتجلّيًا لهذه الميزة الّتي تميّز بها الإسلام، أنّه صالح للزّمان والمكان، مهما اختلفت البيئات، والمجتمعات، والمستويات، والحضارات.
هذا الكتاب الّذي بين أيدينا يريد أن يضع النقاط على الحروف، ويجلّي الغشاوة الّتي رانت على كثير من الأنظار، والفهم الخاطئ الّذي يتبنّاه كثير من القاصرين، وبعض المغرضين، في المجتمع الإسلاميّ، فاتّخذوا من الخلافات الفقهية قنابل موقوتة، يفجّرونها بين الحين والآخر، كي يهدموا أساس هذه الأمّة، ويحطّموا بنيانها على الرّؤوس، جاء الكتاب ليجلّي هذه الحقيقة، ويمكن أن نرسم معالم هذا الكتاب في هذه النقاط:
-->هدف الكتاب ليس التأريخ للفرق الإسلامية، بل لخدمة الفقه الإسلامي عمومًا، وفقه المذهبين خصوصًا.
-->اتسم بوضوح الرّؤية وهي تقريب وجهات النّظر الفقهي، وبثّ روح التّسامح والمودّة بين الفريقين.
-->سعى إلى إبراز هذه الرّوح التّوحيدية في جهد يقرّب ولا يُبعّد، ويبني على كلّيات الجمع، وعلى المبادئ المشتركة بين المذهبين، وهي الأصل الرّاسخ، والجانب الغالب.
-->أعرض عن مسائل الجدل المتعلّقة بعالم الغيب ممّا لا أثر له على سلوك الفرد، بل قد يكون له أثر سلبيّ على علاقة المسلم بأخيه.
-->نبّه إلى أنّ الخطأ في ضبابية الرّؤية لدى الطّرفين سببه أخذ الإخوة الإباضية الفقه المالكيّ من عوامّ المالكية، وأخذ الإخوة المالكية الفقه الإباضي من عوام الإباضية ـ وما هكذا يا سعد تورد الإبل ـ
-->نعى على أهل العلم ترك ميدان الفقه للعوامّ يُسيمون فيه، ويبذرون شوك الفرقة بين أبناء الأمّة الواحدة.
-->بادر بتدارك الأمر، ودخل الميدان فوضع النّقاط على الحروف فيما يُدّعى من الخلاف الكبير بين المذهبين.
-->ثمّ النتيجة، أنّه أثبت الكتاب بالمقارنة أنّ نقاط الاختلاف قليلة جدًّا، وأنّ نقاط الوفاق كثيرة وكثيرة جدًّا.
-->أرجع التوافق الشّامل، والاتفاق الغالب بين المذهبين إلى وحدة المصدر التّشريعي، فكلاهما ينهل من الكتاب والسّنّة.
-->ذكر افتراق المسلمين ونشأة الخوارج، وبراءة الإباضية من تهمة الخوارج وأنّهم ينتسبون إلى الإمام جابر بن زيد، وأورد ما قاله العلماء فيه ثناء وبيانًا لمقامه، ورسوخ قدمه في علم الشّريعة؛ تفسيرًا وفقهًا وحديثًا.
-->ردّ افتراءات بعض المؤلّفين على الإباضية، مثل تفسير ابن أبي حاتم في بعض الآيات القرآنية.
-->ذكر توافق الإباضية والمالكية في قضايا العقيدة الأساسية، وأيضًا في الإيمان بالقضاء والقدر، وإثبات عذاب القبر ونعيمه.
-->فنّد ما يشاع عن الإباضية من التّكفير، وبيّن أنّه نوعان: كفر دون كفر كما هو مبيّن في مسند الإمام البخاري، ويسمّيه الإباضية كفر نعمة، وهذا الّذي استغلّه البعض لاتهام الإباضية بأنّهم يكفّرون المسلمين.
-->أشاد باهتمام الإباضية بالعلم، وبتشجيعهم العلماء قديمًا وحديثًا، منذ عهد الرّستميين، وأورد قصصًا واقعية من تاريخ نفوسة وأئمّة الإباضية في هذا المجال.
-->أنصف تاريخ الرّستميين بما عرف عنه من تأمين الحرّيات الفكرية، ووجود المذاهب والفرق في ظلّ هذا الحكم، وأن المناظرات كانت تجري في المساجد تحت رعاية الأئمّة، في ظلّ الاحترام المتبادل بين مختلف المذاهب.
هذه بعض المميّزات الّتي يراه الدّارس في هذا الكتاب، هناك ـ طبعًا ـ كلام طويل حول قضايا الأصول والفقه الّتي أوردها، وكلّها تجسّد هذه الحقيقة، وهي أنّ مصادر الاجتهاد وأصول التّشريع لدى المذهبين واحدة ليس بينها فروق، كلّها تعتمد الكتاب والسّنة ولإجماع والقياس، والمصادر الأخرى من المصالح، وسدّ الذّرائع، وغيرها ممّا هو معروف في علم أصول الفقه، وأراد أن يبيّن بالتّفصيل، أو بالبيان التّفصيلي الشّافي في مختلف مسائل الفقه، أن هذا الاختلاف ليس ولن يكون يومًا داعيًا أو مبرّرًا أو مسوّغًا لما يشهده واقع المسلمين بين المذاهب وبين الإباضية والمالكية تحديدًا في هذا الوطن العزيز، من بعض المناوشات، أو سوء الظّنّ، أو النّظرة القاتمة هذا تجاه الآخر، هذا ممّا ترفضه النّصوص القطعية في كتاب الله وسنّة رسوله، وما تفنّده التّفاصيل الّتي تضمّنتها كتب الفقه في مختلف أبوابه، الّتي فصّلها في كتابه.
إذن هذه مقدّمة لنتحاور مع أستاذنا في رسالة الكتاب، والغاية الّتي يهدف إليها، ثمّ في بيان الإجراءات العملية، لإعادة المياه إلى مجاريها، ورأب الصّدع، وتحقيق وحدة الكلمة في أمّة التّوحيد، فليتفضّل مشكورًا.
كلمة الدكتور: التواتي ابن التواتي.
بسم الله الرحمن الرّحيم، وبه نستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وتبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، اللهمّ يسّر وأعن.
أيها السّادة، أيها الوجوه الكريمة، يا من أنحتم بفناء الله، ضيوفا على الله سبحانه وتعالى، راجين رحمته، طالبين غفرانه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبّل منكم دعاءكم وصلاتكم، وسعيكم الحثيث في فعل الخيرات ـ إن شاء الله تعالى ـ ولا تبخلوا على أمّ محمد (صلّى الله عليه وسلّم) بوحدة كلمتها، وجمع صفوفها، لأنّها مستهدفة في هذا العصر.
بالنسبة لما أقوله عن كتابي فقد قاله الدّكتور مصطفى زاده الله تعالى صفاء ونقاء وطهارة، وعلمًا إن شاء الله تعالى.
لكن أشير وأصحّح بالنسبة لما ذكره الأخ الكريم، أريد أن يصححها، وهي أنّني التحقت بالولاية الرّابعة وليس بالولاية السادسة، وذلك سنة 1960م.
وبالنسبة لما ذكر في المقدّمة أنّ هناك دوافع دفعتني إلى تأليف هذا الكتاب، والدّافع الأوّل: أريد أن أؤدّي رسالة، رسالة جمع هذه الأمّة، جمعها على التّقوى، وعلى المحبّة والمودّة، وأنّ الاختلاف قد وقع حتّى في وقت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، قد اختلفوا في القراءة، فهذا قرأ بقراءة، وذاك قرأ بقراءة، وكذا وقع الخلاف في عهد الصّحابة، عندما كان جيش الإسلام في غزواته، وفي فتحاته، فجند العراق قرأ بقراءة وجند الشّام قرأ بقراءة، وكادت الصفوف أن..، ولكن هناك من الصّحابة من لجأ إلى سيّدنا عثمان، وقال له: تدارك هذه الأمّة، فكان المصحف الإمام.
إذن فالاختلاف رحمة، وليس محنة، وإذا رجعنا إلى عهود بعد ذلك، نجد إنّ الإمام مالك (رضي الله تعالى عنه) ـ وعلى جميع أئمّتنا ـ على أنّه ذكر عندما قال له أحد خلفاء بني العبّاس: علّق الموطّأ على الكعبة، وأحمل النّاس عليه حملاً، فقال ناشدتك الله لا تفعل، فإنّ أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قد تفرّقوا في البلاد، وكلٌّ مصيبٌ في نفسه.
وفي رواية أخرى، ناشدتك الله لا تفعل، فإنّ أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) تفرّقوا، وللنّاس فهوم.
ولعلّ إذا بحثنا هذا الأمر في قضية فهوم، أنّ الفهم يختلف في الشّخص نفسه، اليوم تقرأ تفهم شيئًا، وغدًا تقرأ تفهم شيئًا آخر..، إذن، فمادام النّص الّذي نعتمده جميعًا هو واحد، فلا ضير في اختلاف الفهم، لأنّ هذا إذا كان الإنسان متمكّن من الأدوات الّتي تؤهّله للنّظر في النّصوص المقدّسة، واستنباط الأحكام منها، فلا ضير أن يختلف هذا مع هذا، وقد اختلف أئمّتنا، واختلف الصحابة ـ كما ذكر أخي الكريم ـ وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، فهو رحمة.
لا زال يعتقد عندنا كثير من النّاس اعتقادًا خاطئًا، على أنّ الإباضية خوارج، وهذا خطأ..! أنا لا أجامل أحدًا، وإنّما أذكر الحقيقة، وهاكم النّصّ: (إنّ أبا عبيدة ـ رحمه الله تعالى ـ عندما خلف جابر بن زيد في الإمامة، قيل له إنّ القوم أحدثوا قولاً، قال اتركوهم حتّى يترجموا مقالتهم إلى فعلة، فجيء إليه بعد ذلك، قالوا له: إنّ القوم قد ترجموا قولهم إلى فعل واستباحوا دماء المسلمين وقتلهم، قال: الآن نحكّم فيهم أمر الله، فتتبّع فضولهم، وطردهم من حلقته، وكفّرهم..، فإنّ الإباضية يكفّرون الخوارج، كيف تقول أن الإباضية خوارج، وهم يكفّرون الخوارج؟ أيصحّ في أذهان الناس على أنّ الإنسان يكفّر النّاس وهو كافر؟ أيكفّر نفسه؟
وهذا الأمر أذكر له بيتا كشاهد قال:
لا يصحّ شيءٌ في الأذهان * * * إذا احتاج النهار إلى دليل
إذن فهذا أمر واضح، والنّص واضح، وإنّ الإباضية قد طاردوا الخوارج، وأخرجوهم من حلقتهم، واعتمدت على نصوص صحيحة، وقد ذكرتها.
أمّا قضية الخلاف الفقهي، فهناك خلاف فقهي حسب قدرات النّاس في التخريج والاستنباط، هناك اختلاف وهميّ، وهاكم البيان ـ أرجو أن تعودوا إلى هذه الكتب ـ يقول الشيخ الجيطالي في كتابه قواعد الإسلام، وهو إباضي، في قضية الطهارة، (والأفضل الجمع بين الماء والحجر) ـ في الجزء الأول من الكتاب ـ ويقول النفراوي المالكي من فقهائنا، (والجمع بين الماء والحجر أفضل)، ناشدتكم الله أيها السادة، هل هناك فرق؟ الفرق الموجود، هو أنّ الفقيه الإباضي جعل "أفضل" في الأول، والقفيه المالكي جعل "أفضل" في الأخير..، هذا هو الفرق، وقد سألت أحدهم في بيت هذا الفاضل ـ و قد أشار إلى شخص جالس أمامه ـ قلت له: هل أنتم إباضية حقًّا؟ وقلت للمالكية: هل أنتم مالكية حقًّا؟ ليس هنا مالكي يتتبّع أثر الفقه المالكي، وليس هناك إباضي يطبّق الفقه الإباضي كما هو! لأنّنا إذا رجعنا إلى هذه الفروع، لما نشأت عداوة بيننا على الإطلاق، ومن قرأ عرف، اعتمدت في كتابي هذا، جعلت في الفصل الأول، العناية بالأصول، فوجدت أنّ المالكية، ـ أستسمحكم، أستسمحكم ـ في القرطبي، في الآية الّتي كنت تلوتها، (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ)[آل عمران: 119]. هذه الآية، لا أذكر ما قاله فيها، وإنّما أذكر في الهامش؛ في القرطبي، في تفسير هذه الآية، يقول: ( وليسوا بخوارج)، إذن هذا القول قديم، وأفنّد القول الّذي قاله، ولكن لا بأس أذكره لكم، في القرطبي، وفي الطبري، وفي تفسير أبي حاتم، وفي تفسير اللباب بن عادل، وفي التفاسير كلّها، قالوا إنّ هذه الآية نزلت في حقّ الإباضية، ولمّا زارني الدّكتور قسّوم في بيتي، في رمضان المنصرم، ما قبل هذا، مع الدكتور الهادي الحسني، ذكرت لهم الواقعة، فتعجّبا، فقالا أصحيح هذا؟ قلت لهم: لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، عودوا إلى التفاسير.
ناشدتكم الله، هل الإباضية كان لهم وجود في زمن نزول القرآن الكريم؟ هل الإباضية كان لهم وجود في زمن وجود أبي بكر (رضي الله عنه) بعد وفاة الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم)، ـ على فرض أنّ قرآنًا نزل على سيّدنا أبي بكر (رضي الله عنه)، على فرض ـ لا إله إلاّ الله محمد رسول الله!! في تحقيق هذه الآية، قال الّذي حقّق كتاب جامع الأحكام للقرطبي، قال: (وهذا تقوّل)، ولا ننسى أنّ هناك قضايا مدسوسة في تفاسيرنا، ما قالها أئمّتنا.
قلت: إنّي بدأت في كتابي هذا، اعتمدت الأصول، وقارنت بين الأصول المعتمَدة، فوجدت أنّ الأصول الّتي يعتمدها المالكية والإباضية، هي كما يلي:
كتاب الله، والقراءات الصّادرة، لأنّ القرآن والقراءات هما أمران متغايران، وكلاهما وحي من ربّ العالمين، لأنّ القرآن هو الكتاب المنزّل، هي كيفية أداء هذا القرآن المنزّل على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، واختلف الأداء من قبيلة إلى أخرى، والقرآن نزل ـكما قال محمد (صلّى الله عليه وسلّم): (نزل على سبعة أحرف، كلّها شاف، كاف)، هكذا قال الرسول (صلّى الله عليه وسلّم).
بعد ذلك انتقلت إلى السنّة، وجدت أنّ المذهب المالكي، والمذهب الإباضي، كلاهما يعتمد على سنّة الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم)، بل، وأقولها وأنا مطمئنٌّ متأكّد ممّا أقول: وجدت الإباضية أكثر اعتمادًا، خاصّة في خبر الآحاد، وبالنسبة للاستصحاب، بالنّسبة للإجماع، بالنسبة لكلّ المدارك المعتمدة في المذاهب السّنّية، هي المدارك المعتمدة عند الإباضية.
نختلف معهم في شيء واحد، وهذا الأمر نختلف فيه مع الشّافعية، ونختلف فيه مع الحنابلة، ونختلف فيه مع الأحناف، وهو قضية عمل أهل المدينة، مع أنّ الإمام المازني، والقاضي عبد الوهّاب، والأبهري، ذكروا أنّ عمل أهل المدينة، ينقسم إلى قسمين: أما فيما يخصّ العبادات، فهو يُعتبر عندنا حديث متواتر، ولعلّ المناظرة الّتي حدثت مع أبي يوسف، ومع الإمام مالك، الثابت هو هذا، قالوا: إنّها مع أبي حنيفة مع..، ولكن مع أبي يوسف، في قضية الصّاع، فأقنعه، هذه كانت مناظرة، وهذه الّتي بين أيدينا الآن ليست مناظرة كما أتطرّق لها في ختام كلامي، على كلٍّ، فإنّني ذكرت في هذا الكتاب، قلت فإنّني وصلت إلى قناعة، أنّ المذهب الإباضي، هو مذهب سنّي، يعتمد في تخريج مسائله على المدارك الشرعية المعتمدة لدى سائر المذاهب، وعلى من قال غير ذلك فليأت بما عنده، وقلت: والحمد لله الّذي وفّقني إلى هذا العمل الجامع لكلمة أمّتنـا، والكابح لأقوال المبطلين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، ورحم الله فقهاءنا من المذهبين، ونسأل الله العلي العظيم، أن يجازيهم عنّا خير الجزاء يوم الدّين، يوم لا ينفع مال ولا بنون.
أيها السّادة:
إنّ هدفي ليس هو إرضاء جماعة، لا مالكية، ولا إباضيّة، وإنّما رأيت الحقّ فانتهجته، ورأيت أنّ أمّتنا مستهدفة من أعدائها، وأخطر مكمن تستهدف منه، هو تفريق الصّفوف، وإشاعة الطّائفية، وإنّ نبيّنا محمد (صلّى الله عليه وسلّم) قال: (تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا الطريق بعدي أبدًا؛ كتاب الله وسنّتي).
اللهمّ اجعلنا من الّذين يتمسّكون بكتاب الله، والمستضيئين، والمقتبسين، من سنّة رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، فإذا اختلفنا في الفهوم، فالأمر بسيط. والحمد لله ربّ العالمين.
لكن، لماذا نركّز..، لمَّا صدر الكتاب أتاني أحد، قال لي: الإباضية لا يؤمنون بعذاب القبر، قلت له طيّب، لا يؤمنون بعذاب القبر! أنت تؤمن بعذاب القبر؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يكذب؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يغشّ؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يغتب؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يأكل الرّبا؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يحسد؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يُضمر الحقد والكراهية لمن قال أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمدًا رسول الله..؟
إذن كما ذكرت سالفًا على أنّي قلت: لا مالكية يتمذهبون حقًّا بالمذهب المالكي، وإنّما هناك آراء خارقة، وعداوة كامنة في قلوبنا ـ والعياذ بالله ـ نُشئنا عليها، ورُبّينا عليها، فهي الّتي تتحكّم فينا وأصبحنا نجعل من الفقه المالكي، أو من الفقه الإباضي، نجعل منه غطاء، ونقول هذا عدوّي وهذا كذا، وهذا كذا..! ألا نستحي من أنفسنا عندما نقف، وقد نجد نبيّنا محمدًا (صلّى الله عليه وسلّم) عند الحوض فيتبرّأ منّا؟ نسأل الله الحفظ والسّلامة، تفضّل سيّدي إذا كان هناك سؤال آخر.
د. مصطفى باجو: شكرًا أستاذنا على هذا التوضيح، والبيان الوافي، الشّافي، الكافي في بيان أسباب هذه العلّة الّتي يعيشها المسلمون، وهي التّشرذم والتّفرّق، هناك أسئلة كثيرة حول هذا الموضوع، من ذلك، ما هي أسباب الجفوة بين المذاهب؟ وما تقولون في من يتّخذ الكتابات الفقهية، أو المصادر القديمة وسيلة لتجديد هذا الصّراع، يجد آراء فقهية، أو أقوالا لبعض العلماء من مذاهب يتحدّث عن مذهب آخر وينسب إليهم قولا، أو خبرًا، أو حكمًا، وينشره من جديد بين النّاس، ليحيي هذه الفتنة، كما يسمّها البعض، "فتنة صفّين في عصر الأنترنت؟ ماذا تجيبون عمّن يستغلّ هذه الكتب لهذا الهدف؟
د. التواتي ابن التّواتي: أستسمح سادتي، يذكّرني قول الدّكتور الفاضل، بكلام ذكره شيخي، الشيخ أبو بكر الحاج عيسى (رحمه الله تعالى) عندما رأى ـ بعد الاستقلال ـ كتبًا تستورد، قال: "فهذه هي الفتنة الكبرى!!" قيل له يا شيخ، هذه كتب فقه، وكذا، وكذا..، قال لا هذه فتنة، هذه تجعل الكثير ممّن يقرأ فتوتين فيقول: أنا مفتي!!، ثمّ إنّ هناك غزوًا ـ وأقولها عل منبر الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم)، وأنا ها في بيت من بيوت ـ هناك غزو ومحو للمذاهب، في هذه السنة ذهبت إلى الحجّ، فموسم هذه السنة، جاءني رجل يبكي!! اسمعوا بارك الله فيكم، جاءني رجل يبكي، وقال كأنّي أتيت إلى هنا لأطلّق زوجة ابن عمّي، قلت: أفصح، قال لي: أنا ذهبت إلى فرنسا منذ قبل الاستقلال، بل قبل الثورة، فينا من نجح، وفينا من خاب وخسر! وفينا من عاد إلى الوطن، قال: أنا من الّذين نجحوا في عملهم، وأصبع عندي تجارة، وأصبح عندي معامل، إلخ..، وهناك من الجزائريين، من بلادي، ون قريتي من نجحوا، فذكّرتهم، قلت لهم: أتينا إلى فرنسا أناسٌ لا حول لنا ولا قوّة، ثمّ فتح الله ـ سبحانه وتعالى ـ علينا، ونلنا ما نلنا، والحمد لله ربّ العالمين..، أفلا نتذكّر الله ـ سبحانه وتعالى ـ ؟ ـ أصبح يدعو لله ـ سبحانه وتعالى ـ نذكر الله الّذي فتح علينا ونجحنا الحمد لله ربّ العالمين، وكان له ابن عمّ فقال له: يا فلان، ألا تذهب إلى الحجّ هذه السّنة؟ قال له: أنا تارك صلاة، وهاهي الزّوجة اصطحبها معك، أخذ المرأة، وأتى بها إلى الحجّ، فالمرأة ذهبت، عوض أن تسأل مناسك الحجّ، سألت عن أنّ زوجها تارك صلاة! وهذا ما يذكرنا بالفتوى الّتي تقوّض..! فأفتي لها بأنّ هذا العقد باطل، ليس عقدًا صحيحًا!! فالمرأة كانت عجوزًا طاعنة في السّن، قالت له: كيف يكون هذا عقد غير صحيح؟ فأنا عنديّ أولاد! وعنديّ بنات! وعنديّ بنت بنتي على وشك وضع الحمل! قال لها: ما هم أولاد شرعيين! وما هم أولاد شرعيين! فالمرأة عوض أن تفكّر في الحجّ، أصبحت تفكّر في طلاقها من زوجها! فجعل الرّجل يبكي، فقلت: ائتني بها، فأتى بها مع زوجته، فسألت المرأة، فقصّت عليّ الخبر كما هو، فقلت لها: من أعطاك المال للحجّ؟ قال لي: زوجي، وماذا قال لك زوجك؟ قالت قال لي اذهبي إلى الحجّ، وعندما أعطاك المال ماذا قال لك؟ قال: لا تنسيني بالدّعاء، ولمّا هممت بالركوب إلى الحجّ ماذا قال لك؟ قالت: قال بلّغي سلامي إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)! قلت لها: الكافر يعطيك المال لتحجّي؟ الكافر يقول لك لا تنسيني بالدّعاء؟ الكافر يقول لك سلّمي على الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم)، فدار بيني وبينها حديث، فتلكم هي الفتاوى الّتي تأتينا من هناك، وأذكر أنّ أحد تلامذتي وهو موجود ـ والحمد لله ربّ العالمين ـ يقرأ القرآن على القراءات العشر، وتتلمذ على أحد الشاميين من سوريا، فقال له: ‘ذا ذهبت إلى وطنك الجزائر، فاعتمد قراءة ورش، لأنّ القوم هناك في الحجاز يريدون القضاء على قراءة ورش، كما قضوا على قراءة ابن عامر الّتي كانت سائدة في الشّام، ونحن نؤمن بكلّ القراءات ـ والحمد لله ربّ العالمين ـ فعندما نعمّر مساجدنا بالفقه الصّحيح، بالفقه النابع من النّصوص، ومن أقوال سادتنا وعظمائنا، ـ وإنّي نسيت أن أذكر لكم في النّدوة الّتي قمت بها منذ حين مع أعيان البلدة ـ فنسيت كتاب الوضع للجناوني، فهذا الكتاب لمّا وضعته بين يديّ، وقرأته على ولدي هذا، قال لي: أين الخلاف، نسأل الله أن يثبّتنا، وأن يفتح علينا ‘ن شاء الله، إذا وُفّقت فيما ندبت إليه نفسي، فالفضل من الله ـ سبحانه وتعالى ـ وإذا أخفقت، وأخطأت، فأسأل الله العليّ العظيم أن يغفر لي زلّتي، وادعوا لي بالغفران جزاكم الله خيرًا.
د. مصطفى باجو: الحديث ذو شجون، والأذان قد أذّن، والعرب قديمًا قالت: الليل طويل وأنت مقمر، لست أدري، معي أكثر من عشرين سؤالاً، وسأختار بالحظّ، سؤال حول دور الكتاب، المسجد، الصّحافة، في علاج مشكل الصّراع المذهبي، أو تأزيمه؟
د. التواتي ابن التّواتي: إنّ جميع هذه الوسائل إذا خلصت النّيّة، ورغبنا، وقصدنا رضا الله، وجمع كلمة أمّتنا، فالإعلام له دوره، وله أثره، والكتابة لها دورها، ولها أثرها، ولكنّ الأثر الأكبر، هو في أئمّة المساجد، لأنّ النّاس يؤمّون المساجد، وقد علّقوا أمانة، وهي الصّلاة الّتي هي عماد الدّين، علّقوها في أعناق الأئمّة، فإذا أحسن الأئمّة هذا الأداء، وتفقّهوا حقّ الفقه، وأذكّرهم بقول الرّسول (صلّى الله عليه وسلّم): (من أراد الله به خيرًا، فقّهه في الدّين)، وفي ندواتي للأئمّة أقول لهم، إنّ هذه النّعمة الّتي أنتم فيها، قد تكون نعمة، وقد تكون نقمة، هي نعمة إذا قمتم بالواجب، فعلّمتم النّاس، ونزعتم من أذهانهم هذا التّوهّم وهذه العداوة، لأنّ الله سبحانه وتعالى قال: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)[الأنبياء: 92]، وحّدنا قول، أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمدًا رسول الله، في مقتضياتها، إذا عملنا بمقتضى لا إله إلاّ الله، لكن مثل الصّراع الآن، هو الصّراع الوهمي، والعداوة الّتي نشأت وأنشأناها في قلوب أبنائنا، فما يحدث من بلاء وفتنة، فإنّه حصاد ما زرعنا، والعياذ بالله، نسأل الله الحليم أن ينفّعنا بما سمعنا، وأستسمحكم إذا قلت للدّكتور، ليكن سؤال أو اثنين، لأنّي مسافر غدًا ـ إن شاء الله ـ إلى قسنطينة، وعندي لقاء هناك في ملتقى دولي، أرجو التخفيف، ونسأل الله التّخفيف.
د. مصطفى باجو: كلّ أجوبتكم تخفيف عنّا، خفّف الله عنكم ـ إن شاء الله ـ آخر سؤال إذن، ما دام طلب الشيخ هذا، ما تقييمكم لجهود التقريب المبذولة في العالم الإسلامي، في أكثر من صعيد، وبخاصّة منظّمة المؤتمر الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي في جدّة، ورابطة العالم الإسلامي، والمجمع العالمي للتّقريب بين المذاهب في طهران؟ هل ترونها أدّت واجبًا؟ قدّمت؟ تركت الوضع على حاله؟ كلمة في التّقويم، وأخيرًا، هل من خطّة عمل لتحقيق هذا التّقارب المذهبي، وإزالة الجفوة، والصّورة القاتمة عن المذاهب بعضها تجاه بعض؟ وشكرًا.
د. التواتي ابن التّواتي: سألتم عن بعض المجامع الفقهية، أو منظمة المؤتمر..، هذه منظّمات لا أتطرّق لها، لأنّ الرّسالة الّتي وصلتني، تقول لا تتطرّق لهذه القضايا، وأحترم ما أشارت إليه جمعية الغفران، نتركها، هل أدّت أم لم تؤدي؟ أظنّ الكلّ يعرف كيف يحكم عليها، واللّبيب بالإشارة يفهم، أمّا قضيّة التقريب، هناك ملتقيات للتّقريب، الّتي تقام بين جماعات، وتقيمه دولة إيران، وقد رأيت في التلفزة؛ حضرها الإباضي، وحصرها المالكي، وحضرها الكلّ، التّقريب الّذي نريده نحن في ربوعنا، هو أن لا نترك أحدًا يأتي إلينا ليفصل بيننا، التّقريب الّذي نريده، ـ حتّى أنّي لمّا قرأت للذّهبي في تفسيره، أو دراسة التّفسير، ذكر انّه ليس للخوارج مجال في التّفسير، ولا في التّأليف، ففي هذا الكتاب، في المقدّمة ذكرت أنّ للإباضية في الجزائر، في جنوبنا معاهد مفتوحة للمالكي والإباضي، وعلماء أجلاّء يشار إليهم بالبنان، وعلماء قاموا بتفسير كتاب الله، من مالكية ومن إباضية، ولعلّ تفسير عبد الحميد ابن باديس الّذي قضّى فيه خمسًا وعشرين سنة، وتفسير الشيخ بيوض الّذي الآن بصدد طبعه قضّى فيه خمسًا وعشرين سنة، فإنّ هذا ينبئ على أنّ عندنا فرسانًا، وعندنا علماء، إذا أحسنَّا القراءة لما كتبوا، والتّنبّه للآثار الّتي خلّفوا، لا شكّ أنّنا نصل إلى المودّة، ولا نسعى ـ كما ذكرت ـ لمن يجمع كلمتنا أو يقرّبنا..! نقرّب بعضنا من بعض بقلوب طاهرة نقيّة، بقول أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمدًا رسول الله.
الأستاذ موسى كبش: باسمكم أيها الأحبّة، نشكر الدّكتورين؛ د. التوتي بن مبارك ابن التواتي، ود. مصطفى بن صالح باجو، على هذه النّدوة الطّيبة والمهمّة، والّتي أكيد رفرفت بنا في مجال التّسامح، الّذي ينشده كلّ مؤمن غيور على دينه، ولا شكّ أيها الأحبّة، أنّ لمثل هذه اللقاءات ما يريده الله ـ سبحانه وتعالى ـ من جمع كلمة المسلمين وتوحيدا، وخصوصًا في هذا الزّمن العاتي الّذي نحن فيه، فبارك الله في شيخنا الكريم، وفي الدكتور مصطفى، ونرجو من الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن تُحقّق هذه الأماني في مثل هذه الأعمال الّتي تجسّد حقيقة روح المحبّة الّتي يجب أن تكون بين المسلمين، ولعلّ فيما قاله الدّكتور ـ بارك الله فيه ـ كما بيّن أنّ ذلك لوجه الله، لا مجاملة لأحدٍ، ولا تملّقًا لأحدٍ، وهذا شأن الصّالحين ـ فبارك الله فيه ـ
وباسمكم أيّها الأحبّة، نشكر كذلك كلّ الوافدين إلينا، بداية من الشّخصيات الوطنية، الأخوين عضوي المجلس الشعبي الوطني، ومجلس الأمّة، ورئيس بلدية غرداية كذلك، وجميع الأعيان، ورؤساء الهيئات، وكذلك نثنّي بالشكر للإذاعة المحلّية والّتي تسهم بقسط وفير في مثل هذا الميدان، الّذي هو ميدان التّقارب والتآلف بين المسلمين، ثمّ لا ننسى جهود المخلصين، من مجلس الأعيان المزابيين الإباضية، الّذين كان لهم، وهم جنود الخفاء، الّذين سعوا ولا يزالون لتحقيق مثل هذه اللقاءات، فبارك الله في كلّ من أسهم، وساهم وحضر، وهذا الحضور الكثيف كذلك دليل على هذا الشّعور، وكما نأخذ من كلام الدّكتور، ما هي إلاّ أوهام نسجها التّاريخ، وغذّاها الحقد الّذي كان ربّما لأعداء الإسلام دور كبير في تأجيجها، فلنزل تلك الأوهام، ولنذبها، بمثل هذه المنابر المنيرة، الّتي تجمع أمثال هذه الوجوه النيرة، وهذه القلوب الطيبة، المؤمنة بربٍّ واحدٍ، وبقرآن واحدٍ، وبرسول واحد، وتتّجه إلى قبلة واحدة، وتسجد لربٍّ واحد.
د. التواتي ابن التّواتي: ورد في جريدة الشروق، " مناظرة فكرية بين فلان، وفلان"، المناظرة، عند الأكاديميين، هو أنّ هناك فريقين، أو رجل لديه فكرة، وآخر لديه فكرة، ويريد أن يقنعه بفكرته، هذه مناظرة، فالقائل ذلك، إمّا عن جهل ـ وكم في الجهل من ضرر!!؟ـ وإمّا عن قناعة وهدف ما وقصد، فنسأل الله أن يهديه للخير، لأنّ هذه الوجوه النّيّرة، ما أتت هنا إلاّ وأنّها مقتنعة بوحدة الصّفّ، مقتنعة بجمع الكلمة، والفقه علم وليس فكر، لأنّ الفكر قد يخطئ الإنسان فيه، وقد يصيب، أمّا الفقه فهو علم أدقّ من الرّياضيات، لأنّه مستنبط من مدارك شرعية، أجمع علماء الإسلام على أنها هي المدارك..، نسأل الله تعالى أن يجمع كلمتنا، وأن يثبّتنا بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا وفي الآخرة، وجزاكم الله عنّا كلّ خير.
الأستاذ موسى كبش: والآن يتقدّم رئيس مجلس الأعيان المزابيين الإباضية، السيّد الحاج إبراهيم جعدي، لتقديم هدية المجلس للدّكتور التواتي ابن التّواتي، ثمّ رئيس جمعية بناء وتسيير مسجد الغفران، السيّد الحاج سعد الله بازين لتقديم هدية الجمعية.
بهذا أيها الإخوة، نحمد الله سبحانه وتعالى على أن يسّر لنا هذه الفرصة، ونرجو منه تعالى، أن يتقبّل كلّ من خطى إلى هذا المسجد، وفي كلّ ربوع الوطن، خطوة للتقريب بين المسلمين.
وآخر ما نختم به دعاء من فضيلة الأستاذ..، والحمد لله ربّ العالمين.
أنقر هنا للاستماع أو تنزيل الندوة.
آخر تحديث الثلاثاء, 30 مارس 2010 20:57
****************************************************
جريدة أخبار اليوم:
الإباضيون والمالكيون وجها لوجه
الاثنين, 29 مارس 2010 12:52
* ندوة مسجد الغفران بغرداية أثبتت عمق الوشائج بين المالكية والإباضية
احتضن مسجد الغفران بمدينة غرداية قبل أيم قليلة ندوة علمية، كان عنوانها "المذهبان الإباضي والمالكي، مقارنة في الأصول والفروع"، نشطها كل الدكتور تواتي بن مبارك بن التواتي من جامعة الأغواط، والدكتور مصطفى بن صالح باجو من جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، حضرها أئمة وأعيان وأساتذة، وبعض المنتخبين والمسؤولين والإطارات المحليين، وكذا جمع غفير من بلديات ولاية غرداية؛ من إباضية ومالكية. وحرصا منها على استجلاء بعض الحقائق تنشر "أخبار الأسبوع" ملخصا عن فحوى هذه الندوة القيّمة، مع جزيل الشكر للأستاذ الشيخ نصر الدين بالحاج الذي تفضل بمتابعة شاملة للندوة التي وضعت الإباضيين والمالكيين وجها لوجه وبرهنت أن الأشقاء من أتباع المذهبين يترفعون عن الصغائر التي يحاول بعض "الخلاطين" أن يورطوا أبناء منطقة ميزاب الطيبة فيها.
الدكتور باجو يعود إلى أصول "العداوة المزعومة" بين المذهبين
كيف يقولون أن الإباضية خوارج وهم يكفّرون الخوارج؟!
بعد تلاوة قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ). آل عمران: 103، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً). الأنبياء: 92. استهل الدكتور باجو الندوة بتوطئة حول أهمّية موضوعها، مذكرا بأن الدين الإسلامي حوى نظامًا تشريعيًا امتاز بأنه أكمل وأعدل منظومة تشريعية عرفتها البشرية، ويتجلى هذا النظام الشامل في مجال الفقه وأصوله، الذي يبين للإنسان أحكام علاقته بربه وبنفسه، وبأخيه الإنسان، مما جعل الفقه أوسع ما كتب فيه العلماء من حيث الكمّ، محاولين تبيين الأحكام الواردة في القرآن والسنة وتأصيلها، فكانت بذلك المدارس الفقهية لونا من ألوان الثراء والتميز الذي عُرفت به هذه الشريعة، فليس الاختلاف بين الآراء بدعة أو وليد هذا العصر، بل كان منشؤه يوم كان الصّحابة يدرجون ويتعلمون ويأخذون الدين على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن أثمر هذه الثروة الفكرية الفقهية الغنية التي نفخر بها أمام العالم كلّه. فالمذاهب كانت وجهًا لهذه الميزة التي تميّز بها الإسلام، فهو صالح للزّمان والمكان مهما اختلفت البيئات والمجتمعات والمستويات والحضارات.
الدافع وراء تأليف الكتاب
بالنسبة للدّافع الأوّل الذي دفعني إلى تأليف الكتاب أني أريد أن أؤدّي رسالة جمع هذه الأمّة على التّقوى والمحبّة والمودّة، وأنّ الاختلاف قد وقع حتّى في وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اختلفوا في القراءة؛ فهذا قرأ بقراءة، وذاك قرأ بقراءة، وكذا وقع الخلاف في عهد الصّحابة عندما كان جيش الإسلام في غزواته وفي فتوحاته، فجند العراق قرأ بقراءة وجند الشّام قرأ بقراءة، وكادت الصفوف أن..، ولكن هناك من الصّحابة من لجأ إلى سيّدنا عثمان، وقال له: تدارك هذه الأمّة، فكان المصحف الإمام.
إذن فالاختلاف رحمة وليس محنة، وإذا رجعنا إلى عهود بعد ذلك، نجد إنّ الإمام مالك رضي الله عنه عندما قال له أحد خلفاء بني العبّاس: علّق الموطّأ على الكعبة واحمل النّاس عليه حملاً، فقال ناشدتك الله لا تفعل، فإنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تفرّقوا في البلاد، وكلٌّ مصيبٌ في نفسه. وفي رواية أخرى: ناشدتك الله لا تفعل، فإنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرّقوا، وللنّاس فهوم. ولعلّ إذا بحثنا هذا الأمر في قضية فهوم، أنّ الفهم يختلف في الشّخص نفسه، اليوم تقرأ تفهم شيئًا، وغدًا تقرأ تفهم شيئًا آخر..، إذن، فمادام النّص الّذي نعتمده جميعًا هو واحد، فلا ضير في اختلاف الفهم، لأنّ هذا إذا كان الإنسان متمكّن من الأدوات الّتي تؤهّله للنّظر في النّصوص المقدّسة، واستنباط الأحكام منها، فلا ضير أن يختلف هذا مع هذا، وقد اختلف أئمّتنا، واختلف الصحابة، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، فهو رحمة.
هل الإباضية خوارج..؟
لا زال يعتقد عندنا كثير من النّاس اعتقادًا خاطئًا، على أنّ الإباضية خوارج، وهذا خطأ..! أنا لا أجامل أحدًا، وإنّما أذكر الحقيقة، وهاكم النّصّ: "إنّ أبا عبيدة عندما خلف جابر بن زيد في الإمامة، قيل له إنّ القوم أحدثوا قولاً، قال اتركوهم حتّى يترجموا مقالتهم إلى فعلة، فجيء إليه بعد ذلك، قالوا له: إنّ القوم قد ترجموا قولهم إلى فعل واستباحوا دماء المسلمين وقتلهم، قال: الآن نحكّم فيهم أمر الله، فتتبّع فضولهم وطردهم من حلقته وكفّرهم، فإنّ الإباضية يكفّرون الخوارج، كيف تقول أن الإباضية خوارج وهم يكفّرون الخوارج؟ أيصحّ في أذهان الناس على أنّ الإنسان يكفّر النّاس وهو كافر؟ أيكفّر نفسه؟ إذن، فهذا أمر واضح والنّص واضح، وإنّ الإباضية قد طاردوا الخوارج، وأخرجوهم من حلقتهم.
عن الخلاف الفقهي بين المالكية والإباضية
في قضية الخلاف الفقهي، هناك خلاف فقهي حسب قدرات النّاس في التخريج والاستنباط، وهناك اختلاف وهميّ، وكمثال: يقول الشيخ الجيطالي في كتابه قواعد الإسلام -وهو إباضي- في قضية الطهارة: "والأفضل الجمع بين الماء والحجر"، في الجزء الأول من الكتاب، ويقول النفراوي المالكي من فقهائنا: "والجمع بين الماء والحجر أفضل". ناشدتكم الله أيها السادة هل هناك فرق؟ الفرق الموجود، هو أنّ الفقيه الإباضي جعل "أفضل" في الأول، والقفيه المالكي جعل "أفضل" في الأخير، هذا هو الفرق. لو أن الإباضية والمالكية رجعوا إلى هذه الفروع، لما نشأت عداوة بيننا على الإطلاق، ومن قرأ عرف.
قضايا مدسوسة في كتب التفسير يجب الانتباه لها
اعتمدت في كتابي هذا، جعلت في الفصل الأول، العناية بالأصول، فوجدت أنّ القرطبي -وهو من المالكية- يقول في تفسير الآية (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ). آل عمران: 119. أن الآية نزلت في حقّ الإباضية، ففنّدت ما قال القرطبي، وهو قول متكرر في تفسير الطبري، وفي تفسير أبي حاتم، وفي تفسير اللباب بن عادل، وفي التفاسير كلّها. ولمّا زارني الدّكتور قسّوم في بيتي رمضان المنصرم مع الدكتور الهادي الحسني، ذكرت لهم الواقعة فتعجّبا، فقالا أصحيح هذا؟ قلت لهم: هل الإباضية كان لهم وجود في زمن نزول القرآن الكريم؟ لننتبه، فهناك قضايا مدسوسة في تفاسيرنا ما قالها أئمّتنا.
خلاصة المقارنة بين الأصول المعتمدة في المذهبين
قارنتُ بين الأصول المعتمَدة في المذهبين فوجدت أنّ الأصول التي يعتمدها كل من المالكية والإباضية، هي كتاب الله، بعد ذلك انتقلت إلى السنّة وجدت أنّ المذهب المالكي والمذهب الإباضي كلاهما يعتمد على سنّة الرّسول صلى الله عليه وسلم، بل وأقولها وأنا مطمئنٌّ متأكّد ممّا أقول: وصلت إلى قناعة أنّ المذهب الإباضي هو مذهب سنّي، فكلّ المدارك الشرعية المعتمدة في المذاهب السّنّية وسائر المذاهب، هي المدارك المعتمدة عند الإباضية بالنسبة لخبر الآحاد، وبالنسبة للاستصحاب، بالنّسبة للإجماع. نختلف معهم في شيء واحد، وهذا الأمر نختلف فيه مع الشّافعية، ونختلف فيه مع الحنابلة، ونختلف فيه مع الأحناف، وهو قضية عمل أهل المدينة.
حقيقة لمن يتوهم العداء بين المذهبين
لمَّا صدر الكتاب أتاني أحد قال لي: الإباضية لا يؤمنون بعذاب القبر. قلت له طيّب، لا يؤمنون بعذاب القبر! أنت تؤمن بعذاب القبر؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يكذب؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يغشّ؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يغتب؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يأكل الرّبا؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يحسد؟ هل الّذي يؤمن بعذاب القبر يُضمر الحقد والكراهية لمن قال أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمدًا رسول الله..؟
وكما ذكرت سالفًا: لا مالكية يتمذهبون حقًّا بالمذهب المالكي، وإنّما هناك آراء خارقة وعداوة كامنة في قلوبنا والعياذ بالله نُشئنا ورُبّينا عليها، فهي الّتي تتحكّم فينا وأصبحنا نجعل من الفقه المالكي أو الإباضي غطاء، ونقول هذا عدوّي وهذا كذا، وهذا كذا..! ألا نستحي من أنفسنا عندما نقف، وقد نجد نبيّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم عند الحوض فيتبرّأ منّا؟
إلى الذين يتّخذون الفقه وسيلة لتجديد الصّراع
يذكر شيخي الشيخ أبو بكر الحاج عيسى عندما رأى كتبًا تستورد بعد الاستقلال، قال: "هذه هي الفتنة الكبرى!!" قيل له يا شيخ، هذه كتب فقه، وكذا، وكذا..، قال لا هذه فتنة، هذه تجعل الكثير ممّن يقرأ فتوتين، فيقول: أنا مفتي!!، ثمّ إنّ هناك غزوًا.
وأقول أن هناك غزو ومحو للمذاهب، ففي هذه السنة ذهبت إلى الحجّ، جاءني رجل يبكي، وقال: كأنّي أتيت إلى هنا لأطلّق زوجة ابن عمّي، قلت: أفصح، قال لي: أنا ذهبت إلى فرنسا من قبل الثورة، وأصبح عندي اليوم تجارة ومعامل والحمد لله، فقلت لابن عمي ألا نذهب إلى الحجّ هذه السّنة لنذكر الله الّذي فتح علينا ونجحنا ونلنا ما نلنا، فقال لي ابن عمي: أنا تارك صلاة، وهاهي الزّوجة اصطحبها معك.
أخذ الرجل المرأة وأتى بها إلى الحجّ، فالمرأة سألت عن أنّ زوجها تارك صلاة..! فأفتي لها المفتي هناك بأنّ هذا العقد باطل، ليس عقدًا صحيحًا!!. فالمرأة كانت عجوزًا طاعنة في السّن، قالت له: كيف يكون هذا عقد غير صحيح؟ فأنا عنديّ أولاد! وعنديّ بنات! وعنديّ بنت بنتي على وشك وضع الحمل! قال لها: ما هم أولاد شرعيين!. فالمرأة عوض أن تفكّر في الحجّ، أصبحت تفكّر في طلاقها من زوجها! فجعل الرّجل يبكي، فقلت: ائتني بها، فأتى بها مع زوجته.
فسألت المرأة، فقصّت عليّ الخبر كما هو، فقلت لها: من أعطاك المال للحجّ؟ قالت لي: زوجي، وماذا قال لك زوجك؟ قالت: قال لي اذهبي إلى الحجّ، وعندما أعطاك المال ماذا قال لك؟ قال: لا تنسيني بالدّعاء، ولمّا هممت بالركوب إلى الحجّ ماذا قال لك؟ قالت: قال بلّغي سلامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت لها: الكافر يعطيك المال لتحجّي؟ الكافر يقول لك لا تنسيني بالدّعاء؟ الكافر يقول لك سلّمي على الرّسول صلى الله عليه وسلم، فدار بيني وبينها حديث.
فتلكم هي الفتاوى الّتي تأتينا من هناك، فيجب أن نعمّر مساجدنا بالفقه الصّحيح، بالفقه النابع من النّصوص، ومن أقوال سادتنا وعظمائنا.
وأذكر أنّ أحد تلامذتي يقرأ القرآن على القراءات العشر، وتتلمذ على أحد الشاميين من سوريا، فقال له: إذا ذهبت إلى وطنك الجزائر فاعتمد قراءة ورش، لأنّ القوم هناك في الحجاز يريدون القضاء على قراءة ورش، كما قضوا على قراءة ابن عامر الّتي كانت سائدة في الشّام، ونحن نؤمن بكلّ القراءات والحمد لله ربّ العالمين.
خطّة عمل لتحقيق التّقارب المذهبي وإزالة الجفوة
للجزائر علماء أجلاّء يشار إليهم بالبنان، قاموا بتفسير كتاب الله، من مالكية ومن إباضية، ولعلّ تفسير عبد الحميد ابن باديس الّذي قضّى فيه خمسًا وعشرين سنة، وتفسير الشيخ بيوض الذي هو الآن بصدد الطبع، كل هذا ينبئ على أنّ عندنا فرسانًا وعلماء، إذا أحسنَّا القراءة لما كتبوا، والتنبه للآثار التي خلّفوا، لا شك أنّنا نصل إلى المودّة، ونقرّب بعضنا من بعض بقلوب طاهرة نقيّة، بقول أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمدًا رسول الله.
--------
وقفة مع كتاب الدكتور التواتي
رد مفحم على القاصرين والمغرضين
توقف الدكتور باجو قبيل بداية الندوة، قائلا:
"هذا الكتاب الذي بين أيدينا يريد أن يضع النقاط على الحروف، ويجلي الغشاوة التي رانت على كثير من الأنظار، والفهم الخاطئ الذي يتبناه كثير من القاصرين وبعض المغرضين في المجتمع الإسلامي، فاتخذوا من الخلافات الفقهية قنابل موقوتة يفجرونها بين الحين والآخر، كي يهدموا أساس هذه الأمة ويحطموا بنيانها على الرؤوس".
ثم رسم معالم الكتاب في نقاط، مختصرة قائلا:
"- يهدف الكتاب لخدمة الفقه الإسلامي عمومًا، وفقه المذهبين خصوصًا، وليس لتأريخ الفرق الإسلامية.
- اتسم بوضوح الرّؤية، وهي تقريب وجهات النّظر الفقهي، وبثّ روح التّسامح والمودّة بين الفريقين.
- سعى إلى إبراز هذه الرّوح التّوحيدية في جهد يقرّب ولا يُبعّد، ويبني على كلّيات الجمع، وعلى المبادئ المشتركة بين المذهبين، وهي الأصل الرّاسخ، والجانب الغالب.
- أعرض عن مسائل الجدل المتعلّقة بعالم الغيب ممّا لا أثر له على سلوك الفرد، بل قد يكون له أثر سلبيّ على علاقة المسلم بأخيه.
- نبّه إلى أن الخطأ في ضبابية الرؤية لدى الطرفين سببه أخذ الإخوة الإباضية الفقه المالكي من عوام المالكية، وأخذ الإخوة المالكية الفقه الإباضي من عوام الإباضية.
- نعى على أهل العلم ترك ميدان الفقه للعوام يبذرون فيه شوك الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة.
- بادر بتدارك الأمر، ودخل الميدان فوضع النقاط على الحروف فيما يُدعى من الخلاف الكبير بين المذهبين.
- ثم النتيجة، أنه أثبت الكتاب بالمقارنة أن نقاط الاختلاف قليلة جدا، وأن نقاط الوفاق كثيرة وكثيرة جدا.
- أرجع التوافق الشامل والاتفاق الغالب بين المذهبين إلى وحدة المصدر التشريعي، فكلاهما ينهل من الكتاب والسنّة.
- ذكر افتراق المسلمين ونشأة الخوارج، وبراءة الإباضية من تهمة الخوارج وأنهم ينتسبون إلى الإمام جابر بن زيد، وأورد ما قاله العلماء فيه ثناء وبيانا لمقامه، ورسوخ قدمه في علم الشريعة؛ تفسيرًا وفقهًا وحديثًا.
- رد افتراءات بعض المؤلفين على الإباضية، مثل تفسير ابن أبي حاتم في بعض الآيات القرآنية.
- ذكر توافق الإباضية والمالكية في قضايا العقيدة الأساسية، وأيضا في الإيمان بالقضاء والقدر، وإثبات عذاب القبر ونعيمه.
- فند ما يشاع عن الإباضية من التكفير، وبيّن أنه نوعان: كفر دون كفر كما هو مبين في مسند الإمام البخاري، ويسميه الإباضية كفر نعمة، وهذا الذي استغله البعض لاتهام الإباضية بأنهم يكفّرون المسلمين.
- أشاد باهتمام الإباضية بالعلم، وبتشجيعهم العلماء قديمًا وحديثا، منذ عهد الرّستميين، وأورد قصصا واقعية من تاريخ نفوسة وأئمة الإباضية في هذا المجال.
- أنصف تاريخ الرستميين بما عرف عنه من تأمين الحريات الفكرية، ووجود المذاهب والفرق في ظل هذا الحكم، وأن المناظرات كانت تجري في المساجد تحت رعاية الأئمة، في ظل الاحترام المتبادل بين مختلف المذاهب".
ثم واصل الدكتور باجو منوها بميزات الكتاب، بقوله:
"هذه بعض المميّزات التي يراها الدارس في هذا الكتاب، فهناك كلام طويل حول قضايا الأصول والفقه التي أوردها صاحب الكتاب، وكلها تجسد هذه الحقيقة، وهي أن مصادر الاجتهاد وأصول التشريع لدى المذهبين واحدة ليس بينها فروق، كلها تعتمد الكتاب والسنة والإجماع والقياس، والمصادر الأخرى من المصالح، وسد الذرائع، وغيرها مما هو معروف في علم أصول الفقه، وأراد أن يبين بالبيان التفصيلي الشافي في مختلف مسائل الفقه، أن هذا الاختلاف ليس ولن يكون يومًا داعيًا أو مبررا لما يشهده واقع المسلمين بين المذاهب وبين الإباضية والمالكية تحديدًا في هذا الوطن العزيز، من بعض المناوشات، أو سوء الظن، أو النظرة القاتمة هذا تجاه الآخر، هذا مما ترفضه النصوص القطعية في كتاب الله وسنة رسوله، وما تفنده التفاصيل التي تضمنتها كتب الفقه في مختلف أبوابه، التي فصلها في كتابه".
هكذا يرى الدكتور إلى رسالة الأستاذ التواتي من الكتاب، والغاية التي يهدف إليها لإعادة المياه إلى مجاريها، ورأب الصدع، وتحقيق وحدة الكلمة في أمة التوحيد.
كلمة باسم إدارة مسجد الغفران للأستاذ موسى كبش
باسمكم أيها الأحبّة نشكر الدّكتورين؛ د. التوتي بن مبارك ابن التواتي، ود. مصطفى بن صالح باجو، على هذه النّدوة الطّيبة والمهمّة، والتي رفرفت بنا في مجال التّسامح الذي ينشده كل مؤمن غيور على دينه، ولا شك أيها الأحبّة أن لمثل هذه اللقاءات ما يريده الله تعالى من جمع كلمة المسلمين وتوحيدها، وخصوصًا في هذا الزّمن العاتي الذي نحن فيه. فبارك الله في شيخنا الكريم، وفي الدكتور مصطفى، ونرجو من الله أن تُحقّق هذه الأماني في مثل هذه الأعمال الّتي تجسّد حقيقة روح المحبّة الّتي يجب أن تكون بين المسلمين، كما بيّن الدّكتور أنّ ذلك لوجه الله، لا مجاملة لأحد ولا تملّقًا لأحد، وهذا شأن الصّالحين فبارك الله فيه.
وباسمكم أيضا نشكر كلّ الوافدين إلينا، بداية من الشّخصيات الوطنية، الأخوين عضوي المجلس الشعبي الوطني، ومجلس الأمّة، ورئيس بلدية غرداية كذلك، وجميع الأعيان، ورؤساء الهيئات، ثمّ لا ننسى جهود المخلصين، من مجلس الأعيان المزابيين الإباضية، الّذين كان لهم، وهم جنود الخفاء، الّذين سعوا ولا يزالون لتحقيق مثل هذه اللقاءات، فبارك الله في كلّ من أسهم، وساهم وحضر، وهذا الحضور الكثيف كذلك دليل على هذا الشّعور، وكما نأخذ من كلام الدّكتور، ما هي إلاّ أوهام نسجها التّاريخ، وغذّاها الحقد الّذي كان ربّما لأعداء الإسلام دور كبير في تأجيجها، فلنزل تلك الأوهام ولنذبها بمثل هذه المنابر المنيرة، التي تجمع أمثال هذه الوجوه النيرة، وهذه القلوب الطيبة، المؤمنة بربٍّ واحدٍ، وبقرآن واحدٍ، وبرسول واحد، وتتّجه إلى قبلة واحدة، وتسجد لربٍّ واحد
ضيف الندوة في سطور
الدكتور التواتي بن مبارك ابن التّواتي من مواليد 1943م بالأغواط، ينتمي إلى عائلة عريقة محافظة من أتباع الزاوية الرحمانية التي حظيت بالسلطة الروحية والأدبية، ونالت الاحترام والتقدير في نفوس أهالي الأغواط وما جاورها. حفظ القرآن في نفس الزاوية على يد مدرسيها ومشايخها، ثم انتسب إلى المدرسة الأهلية الفرنسية وفيها أخذ مبادئ اللغة الفرنسية وتدرج في مستوياتها، وتتلمذ في صفوف مدرسة الشبيبة التابعة لجمعية العلماء المسلمين، غير أنه التحق بصفوف المجاهدين إبان الثورة التحريرية ملبيا لنداء الوطن، تاركا مقاعد الدراسة بالولاية الرابعة منذ سنة 1960م إلى الاستقلال.
كان شغوفا بالعلم مما دفعه إلى الاستزادة منه، فنال درجة اللسانس في الحقوق والآداب من جامعة الجزائر بعد الاستقلال. وتدرج في أطوار التعليم من الابتدائي إلى الجامعي ما يقرب من ست وثلاثين سنة، قضى منها حوالي عشرين سنة في الجامعة مدرسا ومشرفا على عدة رسائل جامعية بجامعة عمار ثليجي بالأغواط. وزاول التدريس في الجامعة حتى بعد تقاعده إلى 1998، وفي سنة 2000 تحصل على شهادة الماجستير ببحث في النحو وأصوله عنوانه "الأخفش الأوسط وآراؤه النّحوية"، وفي سنة 2004 نال شهادة الدكتوراه في القراءات عنوانها: "القراءات وآثارها في النّحو العربي والفقه الإسلامي".
وله إنتاج فكري غزير وموسوعي في الجانبين النحويّ واللغويّ، وكذلك الجانب الفقهي فله أكثر من خمسة عشر عنوانا، منها ثمانية مطبوعة.
المحاور في سطور
الدكتور مصطفى بن صالح باجو من مواليد 18 أوت 1964م بغرداية، تتلمذ وتخرّج في مدرسة ومعهد الحياة بال?رارة سنة 1983م، حيث استظهر القرآن بها سنة 1977، ثمّ التحق بجامعة المدينة المنوّرة سنة 1983م، وفي سنة 1988م حاز على شهادة الليسانس في العلوم الإسلامية أصول الفقه، ثم الماجستير سنة 1993م، ثمّ الدكتوراه سنة 1999م، وهو أستاذ بالجامعة منذ سنة 1993م، ومشرف على العديد من الرّسائل الجامعية ماجستير ودكتوراه، وهو أستاذ إلى يومنا هذا، وكذلك له نتاج فكري، وساهم في إنتاجات فكرية منها: معجم الأعلام الإباضية، ومعجم مصطلحات الفقه الإباضي، ومن مؤلّفاته، منهج الاجتهاد عند الإباضية، وأبو يعقوب الورجلاني أصوليّا.
تغطية وتصوير: ش. ب. نصر الدين
المصدر: http://akhbarelyoum-dz.com/ar/2010-02-20-10-52-15/2010-02-20-10-56-01/746-2010-03-29-115219
****************************************************
صحيفة الخبر الأسبوعي:
نشطها دكاترة وأئمة في بلدية غرداية .. ندوة علمية بين المذهب المالكي و الإباضي
تبقى مسألة المذهب المالكي والإباضي في منطقة غرداية مسألة تثير الكثير من الجدل خصوصا في الأشهر الأخيرة، وهو ما دفع العديد من أصحاب النوايا الحسنة إلى لمّ شمل الإخوة في المنطقة، وهو ما تطرقت إليه الندوة العلمية التي نشطها الأسبوع الماضي الدكتور تواتي بن مبارك بن التواتي رفقة الدكتور مصطفى بن صالح باجو والأستاذ موسى بن إبراهيم كبش بمكتبة الغفران بحضور جمع من الأئمة والأساتذة والأعيان، ثم ندوة ثانية في مسجد الغفران أيضا حضرها إضافة إلى الأئمة والأعيان، بعض النواب والمسؤولين المحليين وكذلك جمع غفير من أهل المنطقة من الإباضية والمالكية من بلدية غرداية والبلديات المجاورة.
الاختلاف رحمة
قال الدكتور مصطفى بن صالح باجو إن السبب الذي يسّره الله تعالى ليكون هذا اللقاء هو هذا النتاج العلمي المتميّز الذي نفحنا به شيخنا وأستاذنا الدكتور التواتي ابن التواتي. في هذا الكتاب الذي ذكره المقدّم، أردت بين يدي الموضوع أن ألج بتوطئة حول أهمّيته وبيان أو التأكيد على حقيقة لا تخفى على مسلم يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا رسول الله، وهي أنّ هذا الدّين آخر الدّيانات السماوية، ختم الله تعالى به الرّسالات، واختاره دينًا للبشرية كلّها، وحقّق لها به سعادة في الدّارين جميعًا، وحوى نظامًا تشريعيًا امتاز بصفات ثلاث، هي أنّه أكمل وأشمل وأعدل منظومة تشريعية عرفتها البشرية، هذا النّظام الشّامل تجلّى في مجال الفقه وأصوله، والفقه بيان لأحكام الإنسان في علاقته بربه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بأخيه الإنسان، في مختلف الدّوائر المنداحة، من الحياة الخاصّة إلى الدّائرة البشرية الشّاملة.
الفقه الإسلامي أوسع ما كتب فيه علماء الإسلام من حيث الكمّ، بل يمكن أن نقول إن حضارتنا حضارة فقه قامت على تبيُّن معالم النّصّ المقدّس، الوحي الذي جاء على لسان سيّدنا محمد (صلّى الله عليه وسلّم) في القرآن والسنّة، واجتهد علماء الإسلام أن يبيّنوا هذه الأحكام ويؤصّلوها. وكانت المدارس الفقهية لونًا من ألوان الثّراء والتّميّز الذي عرفت به هذه الشّريعة، وليس الاختلاف بين الآراء بدعة أو وليد هذا العصر، بل كان منشؤه يوم كان الصّحابة يدرجون ويتعلّمون ويأخذون الدّين على يدي رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم).
وأضاف أن أسباب هذه العلّة الّتي يعيشها المسلمون، وهي التّشرذم والتّفرّق، هناك أسئلة كثيرة حول هذا الموضوع، من ذلك: ما هي أسباب الجفوة بين المذاهب؟ وما تقولون في من يتّخذ الكتابات الفقهية، أو المصادر القديمة وسيلة لتجديد هذا الصّراع، يجد آراء فقهية، أو أقوالا لبعض العلماء من مذاهب يتحدّث عن مذهب آخر وينسب إليهم قولا، أو خبرًا، أو حكمًا، وينشره من جديد بين النّاس، ليحيي هذه الفتنة، كما يسمّيها البعض "فتنة صفّين في عصر الأنترنت؟ ماذا تجيبون عمّن يستغلّ هذه الكتب لهذا الهدف؟
روح التسامح
من جانبه، عرض الدكتور التواتي بن التواتي كتابا في الفقه المقارن، أجرى فيه دراسة تقابلية بين المذهب الإباضي والمالكي في الأصول والفروع، استخلص فيه أن المذهبين المتجاورين في الجزائر ينهلان من أصل واحد، وهو الكتاب والسنة، أما الاختلافات الموجودة بين المذهبين، فهي اختلافات في الفروع توجد حتى بين أتباع المذهب الواحد، وأثبت أنّ نقاط الاختلاف قليلة جدًّا، وأنّ نقاط الوفاق كثيرة جدًّا. وقال إن الدّافع الأوّل الذي دفعه إلى تأليف الكاتب هو أنه يريد أن يؤدّي رسالة، رسالة جمع هذه الأمّة، جمعها على التّقوى وعلى المحبّة والمودّة، وأنّ الاختلاف قد وقع حتّى في وقت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم).
وقد عرض الدكتور ابن التواتي كتابه، حيث ذكر أن هدف الكتاب ليس التأريخ للفرق الإسلامية، بل لخدمة الفقه الإسلامي عمومًا، وفقه المذهبين خصوصًا. كما اتسم بوضوح الرّؤية وهي تقريب وجهات النّظر الفقهي، وبثّ روح التّسامح والمودّة بين الفريقين. وفضلا عن ذلك، سعى إلى إبراز هذه الرّوح التّوحيدية في جهد يقرّب ولا يُبعّد، ويبني على كلّيات الجمع، وعلى المبادئ المشتركة بين المذهبين، وهي الأصل الرّاسخ والجانب الغالب.
ومن جانب آخر، أعرض عن مسائل الجدل المتعلّقة بعالم الغيب ممّا لا أثر له على سلوك الفرد، بل قد يكون له أثر سلبيّ على علاقة المسلم بأخيه.
ونبّه الكتاب إلى أنّ الخطأ في ضبابية الرّؤية لدى الطّرفين سببه أخذ الإخوة الإباضية الفقه المالكيّ من عوامّ المالكية، وأخذ الإخوة المالكية الفقه الإباضي من عوام الإباضية، وما هكذا ياسعد تورد الإبل.
كما نعى على أهل العلم ترك ميدان الفقه للعوام يُسيمون فيه، ويبذرون شوك الفرقة بين أبناء الأمّة الواحدة. وبادر بتدارك الأمر، ودخل الميدان فوضع النّقاط على الحروف فيما يُدّعى من الخلاف الكبير بين المذهبين.
وذكر افتراق المسلمين ونشأة الخوارج، وبراءة الإباضية من تهمة الخوارج وأنّهم ينتسبون إلى الإمام جابر بن زيد، وأورد ما قاله العلماء فيه ثناء وبيانًا لمقامه، ورسوخ قدمه في علم الشّريعة، تفسيرًا وفقهًا وحديثًا. وردّ افتراءات بعض المؤلّفين على الإباضية، مثل تفسير ابن أبي حاتم في بعض الآيات القرآنية.
وذكر توافق الإباضية والمالكية في قضايا العقيدة الأساسية، وأيضًا في الإيمان بالقضاء والقدر، وإثبات عذاب القبر ونعيمه. كما فنّد ما يشاع عن الإباضية من التّكفير، وبيّن أنّه نوعان: كفر دون كفر كما هو مبيّن في مسند الإمام البخاري، ويسمّيه الإباضية كفر نعمة، وهذا الذي استغلّه البعض لاتهام الإباضية بأنّهم يكفّرون المسلمين. وقد أشاد باهتمام الإباضية بالعلم، وبتشجيعهم العلماء قديمًا وحديثًا، منذ عهد الرّستميين، وأورد قصصًا واقعية من تاريخ نفوسة وأئمّة الإباضية في هذا المجال.
ومن جانب آخر، أنصف تاريخ الرّستميين بما عرف عنه من تأمين الحرّيات الفكرية، ووجود المذاهب والفرق في ظلّ هذا الحكم، وأن المناظرات كانت تجري في المساجد تحت رعاية الأئمّة، في ظلّ الاحترام المتبادل بين مختلف المذاهب.
وفي نفس الكتاب، انتقل المؤلف إلى أن المذهب المالكي والمذهب الإباضي، كلاهما يعتمد على سنة الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، بل وأقولها وأنا مطمئن متأكد مما أقول: وجدت الإباضية أكثر اعتمادًا، خاصّة في خبر الآحاد، وبالنسبة للاستصحاب، بالنّسبة للإجماع، بالنسبة لكلّ المدارك المعتمدة في المذاهب السّنّية، هي المدارك المعتمدة عند الإباضية.
وأضاف أن المذهب الاباضي يختلف معهم في شيء واحد: وهذا الأمر نختلف فيه مع الشّافعية، ونختلف فيه مع الحنابلة، ونختلف فيه مع الأحناف، وهو قضية عمل أهل المدينة، مع أنّ الإمام المازني، والقاضي عبد الوهّاب، والأبهري، ذكروا أنّ عمل أهل المدينة، ينقسم إلى قسمين: أما فيما يخصّ العبادات، فهو يُعتبر عندنا حديثا متواترا، ولعلّ المناظرة التي حدثت مع أبي يوسف، ومع الإمام مالك، الثابت هو هذا، قالوا: إنّها مع أبي حنيفة مع.. ولكن مع أبي يوسف، في قضية الصّاع، فأقنعه، هذه كانت مناظرة، وهذه التي بين أيدينا الآن ليست مناظرة كما أتطرّق لها في ختام كلامي. على كلٍّ، فإنّني ذكرت في هذا الكتاب، قلت إنّني وصلت إلى قناعة، أنّ المذهب الإباضي هو مذهب سنّي، يعتمد في تخريج مسائله على المدارك الشرعية المعتمدة لدى سائر المذاهب، وعلى من قال غير ذلك، فليأت بما عنده، وقلت: والحمد لله الذي وفّقني إلى هذا العمل الجامع لكلمة أمتنا، والكابح لأقوال المبطلين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، ورحم الله فقهاءنا من المذهبين، ونسأل الله العلي العظيم أن يجازيهم عنّا خير الجزاء يوم الدّين، يوم لا ينفع مال ولا بنون.
باب النقاش
وأكد أن هذه الندوة العلمية ليست مناظرة فكرية بين طرفين يريد كل منهما أن يقنع الآخر، بل هي ندوة فقهية يراد منها إظهار نقاط الاتفاق الكثيرة الموجودة بين المذاهب الإسلامية، وأن الاختلاف الفقهي موجود بين كل المذاهب.
وفي نفس الموضوع، قال الأستاذ موسى كبش إن الندوة تدخل في مجال التسامح الذي ينشده كل مؤمن غيور على دينه، ولا شكّ أيها الأحبّة، أنّ لمثل هذه اللقاءات ما يريده الله ـ سبحانه وتعالى ـ من جمع كلمة المسلمين توحيدا، وخصوصًا في هذا الزّمن العاتي الذي نحن فيه، مشددا على أن النزاعات التي غذتها الضغينة ما هي إلاّ أوهام نسجها التّاريخ، وغذّاها الحقد الذي كان ربّما لأعداء الإسلام دور كبير في تأجيجها، فلنزل تلك الأوهام، ولنذبها، بمثل هذه المنابر المنيرة التي تجمع أمثال هذه الوجوه النيرة، وهذه القلوب الطيبة، المؤمنة بربٍّ واحدٍ، وبقرآن واحدٍ، وبرسول واحد، وتتّجه إلى قبلة واحدة، وتسجد لربٍّ واحد.
وطرحت الندوة التي شارك فيها العديد من المفكرين والمهتمين بموضوع الإباضية والمالكية عدة تساؤلات تبلورت في نقاش عرف الكثير من الطروحات التي تخدم الدين الإسلامي وتوحد بين المذاهب، وهذا بعدما شهدت غرداية الكثير من التجاذبات التي لا تنفع المواطن هناك، ولا تخدم الأمة الإسلامية. وطبعا، كانت الندوة التي أطرها مجلس الأعيان المزابيين الإباضية لبلدة غرداية فاتحة خير وبداية لنقاش إيجابي في المنطقة.
أ. رشيد
المصدر: http://elkhabar-hebdo.com/site/news-action-show-id-879.htm
****************************************************
يومية الحوار:
الدكتور تواتي بن مبارك بن التواتي يحط الرحال بمدينة غرداية
القسم الثقافي
22/03/2010
بناء على دعوة كريمة من مجلس الأعيان المزابيين الإباضية لبلدة غرداية قام الدكتور تواتي بن مبارك بن التواتي بزيارة مدينة غرداية، مؤخرا. وقد نشط الدكتور ندوة علمية في المساء رفقة الدكتور مصطفى بن صالح باجو والأستاذ موسى بن إبراهيم كبش بمكتبة الغفران بحضور جمع من الأئمة والأساتذة والأعيان، ثم ندوة ثانية بين المغرب والعشاء في مسجد الغفران حضرها إضافة إلى الأئمة والأعيان بعض النواب والمسؤولين المحليين وكذلك جمع غفير من أهل المنطقة من الإباضية والمالكية من بلدية غرداية والبلديات المجاورة.
عرض فضيلة الدكتور الكتاب الذي ألفه وصدر مؤخرا وهو كتاب قيم في الفقه المقارن، أجرى فيه دراسة تقابلية بين المذهب الإباضي والمالكي في الأصول والفروع، استخلص فيه أن المذهبين المتجاورين في الجزائر ينهلان من أصل واحد وهو الكتاب والسنة، أما الاختلافات الموجودة بين المذهبين فهي اختلافات في الفروع توجد حتى بين أتباع المذهب الواحد، وأثبت أنّ نقاط الاختلاف قليلة جدًّا، وأنّ نقاط الوفاق كثيرة وكثيرة جدًّا. وقال إن الدّافع الأوّل الذي دفعه إلى تأليف الكاتب هو أنه يريد أن يؤدّي رسالة، رسالة جمع هذه الأمّة، جمعها على التّقوى، وعلى المحبّة والمودّة، وأنّ الاختلاف قد وقع حتّى في وقت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم). ويمكن أن ترسم معالم هذا الكتاب في ان هدف الكتاب ليس التأريخ للفرق الإسلامية، بل خدمة الفقه الإسلامي عمومًا، وفقه المذهبين خصوصًا.
كما اتسم الكتاب بوضوح الرّؤية وهي تقريب وجهات النّظر الفقهي، وبثّ روح التّسامح والمودّة بين الفريقين، وكذا السعى إلى إبراز هذه الرّوح التّوحيدية في جهد يقرّب ولا يُبعّد، ويبني على كلّيات الجمع، وعلى المبادئ المشتركة بين المذهبين، وهي الأصل الرّاسخ، والجانب الغالب. وأعرض عن مسائل الجدل المتعلّقة بعالم الغيب ممّا لا أثر له على سلوك الفرد، بل قد يكون له أثر سلبيّ على علاقة المسلم بأخيه.
ونبّه إلى أنّ الخطأ في ضبابية الرّؤية لدى الطّرفين سببه أخذ الإخوة الإباضية الفقه المالكيّ من عوامّ المالكية، وأخذ الإخوة المالكية الفقه الإباضي من عوام الإباضية ''وما هكذا يا سعد تورد الإبل'' كما نعى على أهل العلم ترك ميدان الفقه للعوامّ يُسيمون فيه، ويبذرون شوك الفرقة بين أبناء الأمّة الواحدة.
وبادر بتدارك الأمر، ودخل الميدان فوضع النّقاط على الحروف فيما يُدّعى من الخلاف الكبير بين المذهبين.
وقد ذكر افتراق المسلمين ونشأة الخوارج، وبراءة الإباضية من تهمة الخوارج وأنّهم ينتسبون إلى الإمام جابر بن زيد، وأورد ما قاله العلماء فيه ثناء وبيانًا لمقامه، ورسوخ قدمه في علم الشّريعة؛ تفسيرًا وفقهًا وحديثًا.
حيث ردّ افتراءات بعض المؤلّفين على الإباضية، مثل تفسير ابن أبي حاتم في بعض الآيات القرآنية، مفندا بذلك ما يشاع عن الإباضية من التّكفير، وبيّن أنّه نوعان: كفر دون كفر كما هو مبيّن في مسند الإمام البخاري، ويسمّيه الإباضية كفر نعمة، وهذا الّذي استغلّه البعض لاتهام الإباضية بأنّهم يكفّرون المسلمين.
وأشاد صاحب الكتاب باهتمام الإباضية بالعلم، وبتشجيعهم العلماء قديمًا وحديثًا، منذ عهد الرّستميين، وأورد قصصًا واقعية من تاريخ نفوسة وأئمّة الإباضية في هذا المجال.
وفند الدكتور ما ورد في جريدة الشروق وأكد أن هذه الندوة العلمية ليست مناظرة فكرية بين طرفين يريد كل منهما أن يقنع الآخر، بل هي ندوة فقهية يراد منها إظهار نقاط الاتفاق الكثيرة الموجودة بين المذاهب الإسلامية وأن الاختلاف الفقهي موجود بين كل المذاهب. كما كانت للدكتور زيارة إلى مسجد الإصلاح بالتوزوز ودار القرءان ببلغنم.
وقد تم تكريم الدكتور بهذه المناسبة وقدمت له هدايا وكتب تقديرا له على مجهوداته في التقريب بين المذهبين الإباضي والمالكي، وعلى سعيه الدؤوب لنشر فكر التسامح والأخوة في الله بين أفراد المجتمع الجزائري.
ق. ث
المصدر: http://www.elhiwaronline.com/ara/content/view/27089/98/
****************************************************
موقع: مزاب ميديا
تقرير: ندوة التقريب بين المذاهب في مسجد الغفران
الأربعاء, 17 مارس 2010 06:00
نظّم مسجد الغفران بغرداية يوم الجمعة 26 ربيع الأول 1431 هـ الموافق لـ 12 مارس 2010م، ندوة علمية مشاركة بين الدكتورين تواتي بن مبارك بن التواتي ومصطفى بن صالح باجو والأستاذ موسى بن إبراهيم كبش، بمكتبة المسجد مساء، فيما تم عقد ندوة ثانية بين المغرب والعشاء في المسجد بحضور الأيمة والأعيان والمسؤولين المحليين بالإضافة إلى جمع غفير من المصلين من أهل المنطقة من إباضية ومالكية في جو علمي راق بهيج.
وجاءت المناسبة بدعوة كريمة من مجلس الأعيان المزابيين الإباضية لبلدة غرداية للدكتور تواتي، فقد تم أيضا عرض كتابه الذي صدر مؤخرا في الفقه المقارن، أجرى فيه دراسة تقابلية بين المذهب الإباضي والمالكي في الأصول والفروع، استخلص فيه أن المذهبين المتجاورين في الجزائر ينهلان من أصل واحد وهو الكتاب والسنة، أما الاختلافات الموجودة بين المذهبين فهي اختلافات في الفروع توجد حتى بين أتباع المذهب الواحد.
وأثبت أنّ نقاط الاختلاف قليلة جدًّا، وأنّ نقاط الوفاق كثيرة وكثيرة جدًّا. وقال أن الدّافع الأوّل الذي دفعه إلى تأليف الكاتب هو أنه يريد أن يؤدّي رسالة، رسالة جمع هذه الأمّة، جمعها على التّقوى، وعلى المحبّة والمودّة، وأنّ الاختلاف قد وقع حتّى في وقت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)،
وكان الدكتور أيضا قد فنّد ما ورد في جريدة الشروق اليومي الجزائرية وأكد أن هذه الندوة العلمية ليست مناظرة فكرية بين طرفين يريد كل منهما أن يقنع الآخر بل هي ندوة فقهية يراد منها إظهار نقاط الاتفاق الكثيرة الموجودة بين المذاهب الإسلامية وأن الاختلاف الفقهي موجود بين كل المذاهب.
وقد تم تكريم الدكتور بهذه المناسبة تقديرا لمجهوداته في التقريب بين المذهبين الإباضي والمالكي وعلى سعيه الدؤوب لنشر فكر التسامح والأخوة في الله بين أفراد المجتمع الجزائري، وقد استحسن الجميع هذه المبادرة الحسنة وشكر القائمين عليها والتي لا شك أنها قد تركت انطباعا جيدا في النفوس لدى الرأي العام والخاص.
وخلال زيارته لغرداية كانت للدكتور محطات في مسجد الإصلاح بالتوزوز ودار القرءان ببلغنم
يمكنكم الاستماع للندوة كاملة عبر الرابط:
http://www.mzabserver.com/2010-03-12%20Ben%20Touati.rm
ولمتابعة النص المكتوب للندوة العلمية، يرجى زيارة موقع مسجد الغفران على الصفحة:
http://www.elghofrane.org/index.php?option=com_content&view=article&id=159:touti-visit&catid=38:meeting&Itemid=29
المصدر:
http://www.mzabmedia.com/Portal/index.php?option=com_content&view=article&id=372:twati&catid=12:2009-04-15-23-40-52&Itemid=35
****************************************************
تغطية بالصور (من إعداد: أبي الربيع الجزائري) وحوارات حول هذا الموضوع، ينظر: منتديات المجرة، على الرابط الآتي: http://www.almajara.net/forums/showthread.php?t=67291