معجم مصطلحات الإباضية

مقدمة 

 تتطلع الأمَّة الإسلامية اليوم إلى منظومة معرفية صادقة، تحقق لها مداخيل دقيقة لوعي الذات ولفهم الآخر، ومن المؤكد أنَّ الموسوعات والمعاجم التي تحمل رسالة قرآنية توحيدية؛ هي من أبرز وسائل هذه المنظومة. وما هذا المعجم -الذي يهدف إلى التأثير والتأثر- إلا لبنة في هذا الإطار، يؤسس لبديل فكري معرفي، يتجاوز ما كرسته السياسات من مختلف مشاربها عبر التاريخ.

 هذه اللبنة ترنو إلى تحقيق وحدة حقيقية للأمة الإسلامية، من مدخلها العملي المنهجي، بعرض لغة إحدى روافدها - الإباضية - من مصادرها، عرضا علميا يثمِّن نتاج التراث، ويتناسب وروح العصر، ويهدف إلى حوار هادئ من غير إقصاء ولا إلزام.

 إنَّ ما ورد في هذا المعجم من المتفق والمفترق؛ يدلُّ في شقِّه الأول على وحدة أصول المسلمين ووحدة مصيرهم، وفي شقِّه الثاني دليلُ ثراءٍ وتنوعٍ، يعرف للآخر قدره، ولا يدعي الصواب المطلق؛ فالاجتهاد العلمي في هذا السبيل حري أن ينقل العقل المسلم إلى مكانته الحضارية التي خلق لأجلها.

 ومادة "معجم مصطلحات الإباضية"، من مختلف مداخلها، تصبُّ في منحى الغايات والمقاصد المذكورة آنفا، شريطة أن يَنظر إليها القارئ بهذه العين؛ ذلك أنها تسقيه من ذلك المعين.

فكرة المعجم:

 لإبراز صورة الإباضيَّة غير الواضحة, ولإجلاء حقيقتها المجهولة, وتاريخها وجغرافيتها, وفقهها وعقائدها, جاءت ضرورة التعريف بمصطلحاتها, والتنبيه إلى ما تؤمن به من منطلقات، والتوضيح لما أُبهم أو صعب إدراكه لدى بعض المتخصصين، بلهَ طلبة العلم والمبتدئين.

 ولا يتحقق الغرض من هذا المعجم إلا باستيفاء مناحي الفكر المتباينة، ونواحي الحياة المتكاملة؛ من عقيدة، وفكر، وفقه، واجتماع، وتربية، وتاريخ، وسياسة، واقتصاد، وقضاء... فهو بهذا تجربة إنسانية، يجد فيها كلُّ من له فضول معرفي أو تخصص علمي ضالته ومبتغاه.

 وتأتي فكرة التعريف بالمصطلحات الإباضية استمرارا لجهود العلماء السابقين، منهم من أفرد مؤلفا خاصا بها، مثل أبي القاسم البرّادي، بكتابه الموسوم "رسالة الحقائق"، ومنهم من ضمنها ثنايا كتبه:

 فمن المتقدمين: ابن بركة في كتاب "الجامع"، والكدمي في "الاستقامة"، وعمرو بن جميع في "مقدمة التوحيد"، والوراجلاني في "الدليل والبرهان" و"العدل والإنصاف"،  والدرجني في "طبقات المشايخ".

 ومن المتأخرين: القطب اطفيش في "شرح النيل"، و"التيسير"، و"شرح مقدمة التوحيد"، ونور الدين السالمي في "معارج الآمال"، و"مشارق أنوار العقول" و"شرح طلعة الشمس".

 وأما المعاصرون، فقد أسهموا في ضبط بعض المصطلحات من خلال مؤلفاتهم العلمية، أو بحوثهم الأكاديمية.

 من جهود هؤلاء وغيرهم انطلق "معجم مصطلحات الإباضية"، ليستكشف آفاقًا واسعة، ويصوغ مفاهيم جديدة، ضمن عمل تراكميٍّ، يتطلع دوما إلى الكمال البشري، ويرتقي أبدا إلى النضج المعرفي. يجد فيه المشتغلون بالبحث العلمي مشاريع جادة, فيسهِّل عليهم طرح إشكالياتها، بل سيجدون فيه جوابات لكثير من تساؤلاتهم المطروحة. فالمعجم بهذا سيختصر طريق البحث بشكل كبير، وسيكون المعين الأول لكلِّ مهتم بالتراث الفكري عند الإباضية.

الخطوات العلمية والعملية

*مرحلة التأسيس: 

 في عام 1421هـ/ 2000م، بوحدة الدراسات العُمانية، جامعة آل البيت, أدرجت فكرة "معجم مصطلحات الإباضيَّة" كإحدى مشاريع أعمالها، وذلك بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ومكتب الإفتاء بسلطنة عُمان. وهكذا كانت الانطلاقة وبداية الإنجاز.

 وبأمر من رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور محمد عدنان البَخِيت، شُكّلت للمشروع لجنة علمية خاصة، تضمّ الأساتذة والدكاترة الأفاضل: - أ. د. قحطان الدوري (من العراق)، عميد كلية الدراسات الفقهية والقانونية. - أ. د. عزمي طه (من الأردن)، عميد متطلبات جامعة  آل البيت. - أ. د. أبو القاسم سعد الله (من الجزائر)، عضو هيئة التدريس. - د. إبراهيم بكير بحاز (من الجزائر)، رئيس وحدة الدراسات العمانية.

 انتهى عمل هذه اللجنة برفع تقريرها إلى رئاسة الجامعة، تزكِّي فيه فكرة المعجم، وتعتبره عملا علميا جديرا بالبحث، وبنفس القبول عالج المجلس العلمي للجامعة هذا المشروع.

*مرحلة  التخطيط:

 في صائفة 1421هـ/2001م، التأم شمل "لجنة البحث العلمي" التابعة لجمعية التراث (الجزائر)، في أوَّل تجمّع علمي لمناقشة أسس المشروع، وتدبير آلياته. ومن النتائج التي انتهى إليها:

1- التعريف: ضُبط تعريف المصطلح الإباضي كالآتي: - هو اللّفظُ الذي اختصَّ الإباضيَّة باستعماله، - لمعنًى متميز عندهم، تقييدًا أو استقلالاً

2- العنوان: بناء على التعريف وعلى طبيعة الخصوصيات المتفق عليها، استقر العنوان في الآتي: "معجم مصطلحات الإباضيَّة".

3- المصادر والمراجع: اعتمِدت قائمة مصادر ومراجع "معجم أعلام الإباضيَّة"، قائمةً أوليةً لمشروع معجم المصطلحات، على أساس أنها مستوفية لأهم المصادر المطلوبة. وألحُقت بها قوائم مؤسَّسة حسب التخصُّص.

4- فرق البحث: شُكلت ثلاث فرق للبحث تضم أكاديميين (ماجستير ودكتوراه) في أغلب التخصصات الإنسانية والعلمية، بغرض تأليف المعجم، وهي: 
•    فريق المصطلحات العَقَدية. 
•    فريق المصطلحات الفقهية والأصولية. 
•    فريق المصطلحات الحضارية. 

5- مسار العمل: يقوم على أساس الدورات المغلقة  - أيام غار أمجماج - بإدارة متفرِّغة، لمتابعة مراحل الإنجاز: جمع المادة العلمية، فالتحرير، فالتصفيف، ثمَّ الإخراج النهائي.

*مرحلة التنفيذ: 

 بحمد الله وعونه تيسَّرت أسباب تحقيق المشروع وإتمامه في مدَّة خمس سنوات، من 1422هـ إلى 1426هـ/ من 2001 إلى 2005م، ومن أبرز هذه الأسباب: 
•    الرعاية من قبل "وزارة الأوقاف والشؤون الدينية" بسلطنة عمان.
•    مساهمة المجتمع المزابي بهياكله ومؤسساته التعليمية، في مزاب وفي التل الجزائري.
•    جدّية الباحثين في حضور الدورات المغلقة، وانسجامهم الفكري.

ضوابط منهجية في التعريف بالمصطلح:

 الجذر: هو المعتمد في ترتيب المصطلحات، وفق قواعد المُعجمية العربية، مع اعتبار أنَّ الأعلام والألفاظ غير العربية الفصحى (الدارجة، والسواحلية والمزابية والنفوسية...) هي جذرُ نفسِها.

 المصطلح: يبوَّب حسب وروده في المصادر؛ إفرادًا أوجمعًا، تذكيرًا أو تأنيثًا... ولا يُتكلَّف تنميط المصطلحات في نسق موحد، قد يشوِّهها ويبعدها عن الاستعمال المألوف.
الحقل المعرفي: هو تصنيف للمصطلح في حقل العقيدة أو الفقه أو الحضارة... وبيانٌ لمعالمه الأساسية في كلمات معدودة، ومجالات منضبطة.

التعريف: يُعرَّف المصطلح لغة عند الضرورة، وبخاصة إذا كانت له  علاقة بالتعريف الاصطلاحي. ثم يشبع تعريفا اصطلاحيا، دون إطناب ولا إخلال بالمعنى، بعد الجمع بين ما ورد من تعاريف في المصادر؛ إمَّا باعتماد أشملها وأدقها، أو بسبكها في تعريف جامع، أو بصياغة تعريف جديد مستنبط من مجموع النصوص. وعند تعذر تأليف التعريف المناسب يُلجأ إلى الاستنتاج بعرض ما يقرِّب صورة المصطلح إلى الذهن؛ إما بعدِّ أجزائه، أو بإعطاء حكمه، أو ببيان نقيضه...

 مكملات التعريف: عندما تكون الخصوصية متعلقة بإحدى مكملات التعريف كالحكم، أو التأريخية، أو الظروف الزمانية والمكانية والاجتماعية يؤال إلى بسطها وسردها إبرازا لخصوصية المصطلح؛ لأنها متعلَّق هذا المعجم.

 الخصوصية: عليها مدار المعجم، فإن وجدت تقييدا أو استقلالا كان للمصطلح حضور في المعجم، وإن انعدمت انعدم المصطلح مهما كانت أهميته المعرفية، مما أدى إلى إلغاء عدد كبير من المصطلحات في مرحلة جمع المادة، أو التحرير، أو التدقيق.

 الإحالة: يحال إلى أهم المصادر والمراجع التي جاء فيها التعريف نصا أو استنتاجا، مع الحرص على تنوعها الزماني (المتقدم والمتأخر)، والمكاني (المشرق والمغرب) والتخصُّصي (العقيدة والفقه والحضارة). والمصادر هي الضاغطة والموجهة لمادة المعجم حسب توفرها وعدم توفرها.

تنبيهات: 

- ليست الخصوصية بارزة في جميع الحالات، ولا خالصة لكلِّ المجالات، فكل مصطلح عماني - مثلا - هو مصطلح إباضي، إلاَّ ما دلت القرائن على عموميته، أو صرَّحت المصادر أنه غير إباضي.
- الهدف من إيراد مصطلحات هي تسمياتٌ لبعض الفرق المنشقة عن الإباضية (الوهبية), هو إبراز موقف الإباضية منها، وتوضيح تميُّز الإباضيين عنهم.
- اعتُمد في تحرير بعض المصطلحات الحضارية على المصدر الشفويِّ، مستقلاًّ أو مكمِّلاً للمراجع؛ نظراً للقيمة الحضارية لتلك المصطلحات، فكان العمل بهذا تأسيسا لمصطلحات جديدة في المنظومة المعجمية. 
- خصِّص جزء للمداخل والفهارس، تسهيلا للوصول إلى المعلومة بأقصر الطرق وأفيدها، كما أدرجت فيه ملاحق للوثائق الإدارية، والوثائق المنظِّمة لمسار جمع المادة والتحرير، لتكون أنموذجا يحتذى به في إعداد مثل هذه الأعمال الجماعية العلمية وإدارتها.

وفي الختام

  نأمل أن ينال "معجم مصطلحات الإباضية" العناية اللائقة به، وأن يكون نصرة موفقة للحضارة الإسلامية، ومدخلا أصيلا للتقارب المذهبي، وبداية لحقبة جديدة في الإنجاز المعرفي، ومنطلقا ثريا للبحوث المنهجية الجادة، وأنموذجا للنقد العلمي البناء، كما نرجو من كلِّ قارئ بصير أن يجتهد في إثرائه، ويصوِّب ما يراه خطأ، فهذا المعجم عمل بشري ناقص ولا بدَّ، لا يدَّعي الكمال ولا العصمة.
فاللهََ تعالى ندعو أن يأجرنا على جهدنا، ويتقبل منا خطواتنا، ويجازي بالإحسان كلَّ من أحسن، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وهو نعم المولى ونعم النصير.

الهيئات المشرفة

- وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عُمان
- جمعية التراث، القرارة، غرداية، الجزائر
- الإشراف العام: الدكتور إبراهيم بكير بحاز. 
- الإشراف العلمي: الدكتور محمد موسى باباعمي.
- التنسيق العلمي: الأستاذ مصطفى محمد ابن ادريسو.
- الإدارة العلمية: الدكتور مصطفى صالح باجو، الأستاذ باحمد محمد أرفيس، الأستاذ مصطفى ناصر وينتن، الأستاذ مصطفى محمد شريفي.
- الإشراف الإداري: الدكتور عبد الرحمن سليمان السالمي.