الترجمة الأولى:
تقديم:
في حديث تاريخي مع الشيخ / محسن بن زهران العبري راوين عن حكاية تقول: «إن الوالد / حميد بن راشد الوالي زار ولاية الحمراء وكان دخوله إليها في الفجر، وقد حكى الوالد حميد قائلا: إنه مر في الطريق الوسط الحمراء من بدايته حتى نهايتها قاصدا مضيفي، وأسعده أن سمع قراءة القران الكريم من كل بيت ومسجد يمر فيه، ورأى حلقات الدرس على أشدها في المساجد التي كانت إذاك هي مقر العبادة والمدرسة التي يتعلم فيها جميع العلوم الدينية، في مثل هذا الخضم من العادات والتقاليد الدينية والمحافظة ولد شيخنا فقيه والأديب / إبراهيم بن سعيد العبري.
مولده ونسبه:
ولد الشيخ العلامة الخطيب شيخ الشريعة والأديب / إبراهيم بن سعيد بن محسن بن زهران بن محمد بن إبراهيم العبري الحمراوي القدمي في السابع من رجب عام 1314هـ حيث أرخ الأستاذ الشيخ / ماجد بن خميس العبري مولدة في بيتين من الشعر
حيث قال:
قد جاء إبراهيم ليلة السبع رجب أبوه سعيد قال وبالحد
لسنين أربع عشر والمؤتين الثالث عشر بعد هني بالولد
نشأته وتعليمه:
شاء القدر أن يعيش شيخنا بعيدا عن والده الشيخ / سعيد بن محسن العبري، حيث أخذت المنية والده وهو ابن سنتين.. حينها تكفل بتربيته أخوه الكبير / أحمد بن سعيد بن محسن العبري.. وتدرج شيخنا في العلم حيث أرسله أخوه ليدرس القران الكريم على يد شيخه / سعيد بن مسلم بن سعيد العدوي الذي أحضره ليدرس القران الكريم من ولاية بهلا الشيخ العلامة / ماجد بن خميس العبري والشيخ / حمد بن محسن العبري في أول القرن الرابع بعد الألف للهجرة، وعاد إلى وطنه بهلا سنة 1335هـ ليعمل في جباية الزكاة في عصر إمام المسلمين / سالم بن راشد الخروصي رحمه الله بطلب وليها الشيخ الزاهد / أبي زيد عبد الله بن محمد الريامي.
ختم شيخنا دراسة القران الكريم كله خفظا وتلاوة وترتيلا وتفسيرا وهو ابن ست سنوات وبقي يراجع القرآن الكريم مع أستاذه لمدة سنتين حينها كان يساعد معلمه في عملية التسميع لبعض الطلبة وحسب مراحل الدراسة آنذاك انتقل شيخنا القدوة إلى مدرسة اسمحا والتي كان يدرس فيها في ذلك الوقت العلامة بقية السلف الشيخ الفقيه / ماجد بن خميس العبري المواد العلمية والفقهية كالنحو وقواعد اللغة العربية والعقيدة والشريعة والميراث والسيرة والأدب ومختلف الأمور الدينية، ومكث فيها حوالي ست سنوات (أي حتى عام 1328هـ) وخلال دراسته لاحظ عليه أستاذه ذكاءه وتفوقه على زملائه وأخلاقه الحميدة؛ ولذلك رشحه لسلك القضاء، وكان ذلك في عصر الإمام / سالم بن راشد الخروصي، حيث أرسله أستاذه إلى الإمام بنزوى وعينه قاضيا بالرستاق، وكان عمر شيخنا آنذاك ست عشرة سنة، أي عام 1330هـ، واستمر في الرستاق حوالي سنتين، نقله بعدها الإمام إلى نزوى، وكان الإمام يخرج من نزوى ويترك الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري مع بعض المشايخ الآخرين يسيرون الأمور الشرعية والسياسية، فمكث إلى ما شاء الله، يمكث عونا للإمام في جميع النواحي الدينية والسياسية فتارة يقيم معه فيها، وتارة في بلدة الحمراء حتى قُتل الإمام / سالم شهيدًا رحمه الله. فأقام المسلمون بعده الإمام العادل / محمد بن عبد الله بن سعيد الخليلي، وكان علامتنا الشيخ إبراهيم عونا له في جميع مهمات المسلمين.
وفي عام 1324هـ عزم ابن عمه الشيخ مهنا بن حمد بن محسن العبري - والذي كان آنذاك شيخًا لقبيلة العبريين - المسير إلى الحج بيت الله الحرام، فرغب الشيخ مهنا أن يكون الشيخ إبراهيم من نفر من ابن عمه الذهاب معه. وبعد أدائهم مناسك الحج وصعوده من مكة المكرمة مرض الشيخ مهنا بجدة، ولم يستمر في المرض إلا أياما قليلة فتوفاه الله عن عمر يناهز السبعين عاما، فدفن فيها.
عاد بعدها الشيخ إبراهيم العبري ومن معه إلى الحمراء راضين ومسلمين بقضاء الله وقدره في عام 1343هـ.
وعلى إثر وفاة الشيخ / مهنا بن حمد العبري اجتمع الشيخ / ماجد بن خميس العبري ومن معه من أولاد زهران ومن معه ورشدا العبريين فعينوا الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري شيخا على قبيلة العبريين، وفي بداية الأمر رفض الموافقة على طلبهم لكنهم أصروا عليه فوافق.
وبعد ستة عشر عاما قضاها في الزعامة حاكما بالعدل قائما بأمور الرعية اضطر إلى ترك إلى الإمارة وعين الشيخ / حمد بن مهنا بن حمد بن محسن العبري بدلا منه، وذلك لأمور وقعت بينه والإمام الخليلي.
بعد ذلك رأى الشيخ/ إبراهيم أن يكون الإمام والسلطان يدا واحدة، فقصد إليه في مسقط وكان آنذاك السلطان / سعيد بن تيمور، فبقي يطالع السلطان، فطلب منه أن يكون قيامه عنده بمسقط، فقبل الشيخ دعوة السلطان وبقي ملازما له إلى أن عين قاضيا لولاية صحار، وكان ذلك في بداية الستينيات من بعد الثلاثمائة وألف من السنة الهجرية وهذه الثقة الكبيرة التي أولاها السلطان للشيخ جاءت من منطلق معرفته بما يتمتع به الشيخ من غزارة علم وزهد وتقى. ومكث الشيخ بصحار مدة أربع سنوات، وكان آنذاك الوالي بصحار هو: مظفر بن سليمان بن سويلم.
عاش شيخنا بعدها فترة من الزمن متنقلا بين الحمراء ونزوى ومسقط يدعو إلى الشريعة ويرد على أسئلة طالبي العلم ويقيم حلقات الدرس إلى أن ولاه الإمام الخليلي ولاية عبري، وذلك على أثر إعفاء الشيخ الرقيشي، فقبض مركزها في اليوم السادس من ربيع الأول سنة 1372هـ، فبقى ناشرا ألوية العدل قائما بالقسط، وذلك حتى اليوم العاشر من شهر شعبان من نفس السنة.
ثم دعاه السلطان مرة أخرى إلى مسقط وعينه قاضيا ورئيسا للمحكمة الشرعية، ثم رئيسا لمحكمة الاستئناف، حيث اجتمع به في هذه المحكمة من القضاة المشايخ/ سعيد بن أحمد الكندي, وهاشم بن عيسى الطائي وسالم بن حمود السيابي... وغيرهم.
وخلال وجود الشيخ/ إبراهيم في هذه الوظيفة كان السلطان / سعيد بن تيمور يرسله إلى مختلف المناطق والولايات في السلطنة لحل النزاع والمشكلات بين القبائل. ومن بين المشكلات القبلية التي قام بحلها ما كان بين قبائل الشحوح في مسندم، حيث كلفه السلطان هو والشيخ/ سلطان بن سيف الحوسني للقيام بإصلاح ذات البين بين هذه القبائل، وفعلا ذهبا مع من معهم من المرافقين إلى مسندم ففعلا ما يستحق أن يفعل وعادت المياه إلى مجاريها بين هذه القبائل.
واستمر الحال بالشيخ في هذه الوظيفة حتى تولى السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في عمان عام1970م فعينه مفتيا عاما للسلطنة.....
إنتاجه العلمي:
لم يؤلف الشيخ إبراهيم كتبا بالمعنى المفهوم، غير أنه ترك الكثير من الرسائل العلمية المتنوعة والفتاوى الهامة، وحجته في عدم التأليف أنه كان يعتقد أنّ العديد من المؤلفين تطرقوا إلى الجوانب التي كان يفكر فيها، وقد يكون موقفه هذا نابعا من خصلة التواضع فيه.
ومن بين آثاره العلمية:
1- (تبصرة المعتبرين في سيرة العبريين) دراسة تاريخية لقبيلة العبريين.
2- (أسئلة وأجوبة فقهية متنوعة).
3- (برامج إذاعية يقدمها في الإذاعة العمانية) وبعضها تم نشرها على شكل كتيبات.
4- له (خطب في الأعياد والجمع والاستغاثة).
5- له (قصائد شعرية) تتنوع بين الرثاء والمديح والسلوك والطبيعة، وقد ورد في إحدى مدائحه للسلطان سعيد بن تيمور ما يلي:
أتى العيد فليهنأ بك العيد والفطر.:. لأنك أنت العيد للناس والقطر
إذا سر أقوام بأيام عيدهم.:. فنور محياك المسرة واليسر
تبارك من أولاك حكما وحكمة.:. وعلما وإقداما يحالفه النصر
فأنت أبو قابوس صفوة دهرنا.:. فلا عجب أن تاه فخرا بك الدهر
وفي المراثي أنشد يقول معبرا عن حزنه لوفاة أستاذه الشيخ ماجد بن خميس العبري:
صارم الدهر يصرم الآجالا.:. ويبيد القرون والأجيالا
وعوادي الأيام تنتهب الأعمارا.:. شيبا وتأخذ الأطفالا
وسهام المنون تحمي البرايا.:. لم تفت رعديدا ولا ريبالا
أولاده:
ترك عبد العزيز وسعيد وعبد الرحمن.
صفاته:
يتميز الشيخ إبراهيم بالحلم والتواضع، وكان لا يخاف في الله لومة لائم، وكان يحنو على الفقراء والمساكين، كما كان يتميز بشغفه بالاطلاع على كل جديد في شتّى العلوم والمعارف من كل كتب المذاهب الإسلامية، وكان محبا للرياضة الخفيفة، حريصا في طعامه وشرابه، معتدلا في لباسه.
وفاته
استشهد رحمه الله إثر حادث سيارة أليم في حي الوطية بمحافظة مسقط وكان ذلك يوم الجمعة الموافق 14 مارس 1975م وهو في الثانية والثمانين من عمره.
وقد رثاه مجموعة من الشعراء مثل عبد الله بن علي الخليلي والشيخ سعيد بن خلف الخروصي والشيخ هاشم بن عيسى الطائي.
-------------------
المرجع
حمد بن محسن بن زهران العبري/ سلسلة علماء ومشاهير عمان/ الشيخ العلامة إبراهيم بن سعيد العبري/طبع بمطابع النهضة.
علماء عمان المبجلون.
بعض مقاطع الصور المبعثرة.
س. ب. مايلز/الخليج قبائله وبلدانه
____________________________________________________________
الترجمة الثانية:
إبراهيم بن سعيد العبري (1314 - 1395هـ) / ( 1896 - 1975م)
سيرة الشاعر: إبراهيم بن سعيد بن محسن العبري.
ولد في محلة «كدم» (ولاية الحمراء) وتوفي في مسقط، وعاد إلى مثواه في ولاية الحمراء.
عاش في عُمان، وبحكم عمله قاضيًا تحرك بين ولاياتها، كما زار الهند ومصر، والمملكة العربية السعودية في معية من عمل معهم من السلاطين.
درس القرآن الكريم والفقه والسيرة والأدب على علماء مشهود لهم بسعة العلم منهم: الشيخ ماجد بن خميس العبري.
تقلد منصب القضاء في عهدي الإمام الخليلي، والسلطان سعيد بن تيمور، ثم رئيسًا للقضاة بالمحكمة الشرعية بمسقط، فمفتيًا عامًا للسلطنة في عهد السلطان قابوس.
اختير شيخًا لقبيلته، عام 1925.
الإنتاج الشعري:
- له قصائد مفردة تكوّن ديوان شعر، وقد جمع الباحث حمد بن محسن العبري ما تيسر له منها في كتاب يحمل عنوان: «الشيخ العلامة إبراهيم بن سعيد العبري» مطبوع بمطابع النهضة - مسقط 1991.
الأعمال الأخرى:
- له كتاب: «تبصرة المعتبرين» (مخطوط)، وله خطب دينية، ألقى بعضها من فوق منابر المساجد إبان كان مفتيا عامًا للسلطنة، وروض الأزهار في الخطب والأشعار (مخطوط): دائرة المخطوطات بوزارة التراث القومي والثقافة، وتبصرة المعتبرين في تاريخ العبريين (مرقون).
يغلب على شعره الطابع التعليمي، فتسيطر تقاليد النظم وتتراجع الخصوصية، غير أنها تتنفس في بعض الأغراض المتصلة بمشاعره، كالمديح والرثاء.
عناوين القصائد:
الأيام
لا تغرنك الحياة
السيارة
الأيام
ألا إنما الأيامُ يسطو حسامُها .:.:. وترشق آجالَ الأنام سهامُها
وترمي بما يُصمي القلوبَ ولم تزل .:.:. تُنوّع أنواعَ الحتوفِ سمامها
وتحلو لأهل الجهل أكلاً ومشربًا .:.:. وتغدو لأهل العقل مُرًّا طعامها
وتجرح بالعدوان أُسْدَ عرينها .:.:. وتسْرح في روض الأمانِ نَعامها
وتسري بما يجري على الخلق دائمًا .:.:. ولم يتيقّظْ للرزايا نِيامها
رأيتُ الورى في غفلةٍ مستمرّةٍ .:.:. كأنهمُ قد أسكرتْهم مُدامها
رأوا زخرفَ الدنيا وزهرة عيشها .:.:. فغرَّهمُ إلا قليلاً جهامها
فحسبُكَ جهلاً أن يغرَّك أمرُها .:.:. وأنتَ تراها مستحيلاً دوامها
فدَعْها وكنْ منها على حذرٍ ولا .:.:. يغرّكَ منها ضحكُها وابتسامها
فما هي إلا دارُ فقْدٍ وفرقةٍ .:.:. وبؤسٍ وحزنٍ لا يطيب مقامها
وفقد بنيها واحدًا بعد واحدٍ .:.:. دليلٌ على أنْ لا يدومَ نظامها
وليس يقي مالٌ وجمْعٌ بها ولا .:.:. حصونٌ إذا زار النفوسَ حِمامها
فكم هدّتِ الأيامُ من ركن سؤددٍ .:.:. عظيمٍ ولكنْ ليس يجري عظامها
وكم غيَّضتْ من بحر جودٍ يُمينه .:.:. سحائبُ هامٍ سحْبُها وانسجامها
وكم غيّبتْ من بدر نورٍ إذا بدا .:.:. بليلٍ بهيمٍ زال عنها ظلامها
لا تغرنك الحياة في رثاء سعيد العبري
أيقظِ النفسَ يا حليفَ الرقادِ .:.:. إن ريبَ المنونِ بالمرصادِ
وتداركْ بقيّةَ العمرِ بالإصْـ .:.:. ـلاحِ واذكرْ مصارعَ الأجداد
إن في ذِكرْك المنيّةَ شغلاً .:.:. لكَ عن ذكر زينبٍ وسعاد
واصرفِ النفسَ عن هواها فإن النْـ .:.:. ـنَفس أمّارةٌ بفعل الفساد
لا تعشْ لاهيًا فإنك ميْتٌ .:.:. تاركٌ للأموال والأولاد
لو نظرتَ الدنيا بعين اعتبارٍ .:.:. لرأيتَ الدنيا كطيف الرقاد
ما أسرَّتْ إلا أساءتْ ومازا .:.:. لتْ، على ذا تأتيكَ بالأضداد
لا تغرّنّكَ الحياةُ كما غَرْ .:.:. رَتْ، أناسًا كانوا طوالَ العماد
ذهبوا في البلاد طولاً وعرضًا .:.:. لطِلاب العلوّ والازدياد
من يراهم مواكبًا مُشمخرّي .:.:. نَ يَخَلْهم مثلَ الدراري بوادي
جمعوا المالَ من حرامٍ وحِلٍّ .:.:. وأذلُّوا من كان صعْبَ القياد
وتولَّوا قهرًا على كلّ أرضٍ .:.:. واقاموا الحصونَ كالأطواد
فأبادتهمُ المنونُ فأقوَتْ .:.:. دورُهم بعد تلكمُ الأجناد
أين كسرى وتُبَّعٍ وملوكُ الرْ .:.:. رُومِ، أم أين قبلهم قومُ عاد
أين من دوّخوا جميعَ البرايا .:.:. أين فرعونُ مصرَ ذو الأوتاد
أين نعمانُهم أخو الفخر ذو اليَوْ .:.:. مَين، من غرَّه مديحُ زياد
قد دعاهم داعي المنيّةِ فانقا .:.:. دوا، جميعًا له انقيادَ النفاد